نشر بتاريخ: 2025/11/16 ( آخر تحديث: 2025/11/16 الساعة: 17:29 )
بهاء رحال

وثيقةُ الاستقلال... وعدٌ بالحرية

نشر بتاريخ: 2025/11/16 (آخر تحديث: 2025/11/16 الساعة: 17:29)

الكوفية وثيقةٌ هامةٌ شكّلت أساسًا متينًا ورسمًا كاملًا لهوية شعبٍ ناضل عقودًا من الزمن لأجل الحصول على استقلاله، كحقٍّ طبيعي غير قابلٍ للتفاوض والانتقاص منه، وقد جاءت تأكيدًا على امتداد علاقة الإنسان الفلسطيني بأرضه فلسطين، وحملت همَّ معاناته وتطلعاته، وبرهنت على أن الأجيال بتتابعها تحفظ سرَّ البقاء، وأن التطور سمةٌ تراكمية، وأن الإبداع ساهم في تكوين الهوية الوطنية وامتداداتها، وأن الحق يبقى حقًا مهما عصفت بوجهه ريحُ الباطل، وأن حتمية الخلاص من الاحتلال حقيقةٌ لا تقبل الشك، عرفتها كل الشعوب التي تعرّضت للاحتلال ومحاولات الشطب والإبادة، وأن الشعب الفلسطيني بحكم الحق هو امتدادٌ طبيعي للفلسطينيين الأوائل الذين حطّوا بأرض المكان وأقاموا حضارتهم وبنوا أمجادهم وصنعوا لهم هويةً ممتدّة في قدم التاريخ وتتابُع الأجيال التي ورثناها جيلًا وراء جيل.

لقد حملت وثيقةُ الاستقلال رسمًا من زخرفٍ لمفاهيم الحياة التي حفظت بقاءَ الفلسطيني، وحافظت على هويته الحضارية، وكانت على مرّ الأزمنة سياجًا متينًا يصدّ كل الآفات التي كان الاستعمار حينًا والاحتلال أحيانًا يُلقي بها في محاولةٍ لتفتيت النسيج الاجتماعي والوطني والإنساني، وبهذا الوعي الإنساني استطاع الفلسطيني تجاوز الصعاب والمؤامرات التي تعرّض لها ولا يزال، في محاولةِ الشطب والسحق والإبادة، وعبر عقودٍ طويلة من الزمن ظلّ يمدّ أواصرَ عميقةً متجذّرةً لتحفظ حقه ساعيًّا للحفاظ على وجوده بكل الطرق والوسائل.

إن وثيقةَ الاستقلال بمعناها وضرورتها شكّلت انعطافةً كبرى في محطات الشعب الفلسطيني ونضاله، وهي من أبدع صور الانتصار المقاوم للشطب والتفتيت، فقد جاءت الاعترافاتُ الأممية من دول العالم بالحقّ الفلسطيني بعد صدور وثيقة الاستقلال في العام 1988 لتشكّل لطمةً على وجه كلّ من حاول وسعى من أجل تفتيت الشعب الفلسطيني وطيّ قضيته وسرقة حقه في أرضه ووطنه.

حقٌّ تاريخيٌّ لا يزول، بل يلتحم مع التاريخ سطرًا من نشيد الأرض وصورًا في إرث الخالدين، وحضارةً ممتدّة لا يمحوها الزمانُ المحاصر بالاحتلال.

تحت سماءِ القصف في غزة، ووحشيةِ المستوطنين الأغراب في الضفة، وترسانةِ الجنود المدجّجين بالسلاح في القدس، عادت ذكرى إعلان الاستقلال لتلقي بظلالها على كامل المشهد وتعيد طرح بعض التساؤلات حول جدوى الأمل بالاستقلال وسط هذا الواقع المرير، وماذا بقي من رسالةٍ مزّقتها الحرب ودمويةُ القتل وزيادةُ الاحتلال؟ وفي الإطار ذاته نجيب: بقي الكثير، بل بقيت كلُّها وعدًا قادمًا ببشائر الحرية القادمة من وسط المعاناة والقهر؛ فلم نعتدِ اليأس، ولن تسقط الراية.