ياسر عرفات… القائد الذي عاش من أجل فلسطين، ورحل من أجلها، وبقي رمزًا خالدًا في ذاكرة الأمة
ياسر عرفات… القائد الذي عاش من أجل فلسطين، ورحل من أجلها، وبقي رمزًا خالدًا في ذاكرة الأمة
الكوفية تحلّ اليوم، الحادي عشر من نوفمبر، الذكرى الحادية والعشرون لرحيل القائد الفلسطيني الرمز ياسر عرفات، أول رئيس للسلطة الوطنية الفلسطينية ومؤسس حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، وأحد أبرز القادة في التاريخ المعاصر الذين ارتبطت أسماؤهم بالنضال من أجل الحرية والاستقلال.
وفي هذه الذكرى، تستعيد الجماهير الفلسطينية والعربية مسيرة قائدٍ حمل القضية الفلسطينية في قلبه منذ نعومة أظفاره، وجعل منها بوصلته طوال عقود من الكفاح السياسي والعسكري والدبلوماسي.
البدايات والنشأة
وُلد محمد عبد الرؤوف القدوة الحسيني، المعروف باسم ياسر عرفات (أبو عمار)، في الرابع من أغسطس عام 1929 في القاهرة، لأسرة فلسطينية من مدينة القدس. تلقى تعليمه في مصر، وتخرّج من كلية الهندسة بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًا).
منذ شبابه المبكر، انخرط في النشاط الوطني، وشارك في الدفاع عن القضية الفلسطينية في أعقاب نكبة عام 1948، ليبدأ مسيرةً طويلة في العمل الوطني والسياسي امتدت لأكثر من خمسة عقود.
تأسيس حركة "فتح" وبداية الكفاح المسلح
في منتصف الخمسينيات، ساهم عرفات مع مجموعة من المناضلين الفلسطينيين في تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، التي أعلنت انطلاقتها الرسمية عام 1965.
تبنّت الحركة نهج الكفاح المسلح لتحرير فلسطين، وقادت سلسلة من العمليات العسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي، ما جعلها خلال سنوات قليلة في طليعة الفصائل الفلسطينية المناضلة.
برز عرفات خلال تلك الفترة كقائد ميداني وسياسي، استطاع أن يجمع حوله أطيافًا واسعة من أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات.
قيادة منظمة التحرير الفلسطينية
في العام 1969، تولى عرفات رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية، التي أصبحت الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
قاد المنظمة في مراحل مفصلية من تاريخ القضية، ونجح في تعزيز حضورها على الساحة الدولية، حتى اعترفت بها الأمم المتحدة عام 1974 كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني.
وفي العام ذاته، ألقى عرفات خطابه الشهير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، قائلاً: "جئتكم بغصن الزيتون بيد وببندقية الثائر في اليد الأخرى، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي."، في تعبير خالد عن تمسكه بالسلام العادل دون التفريط بالحقوق الوطنية.
سنوات المنفى والتنقل
واجه ياسر عرفات خلال مسيرته العديد من التحديات، إذ انتقل بين العواصم العربية بعد خروج المقاومة الفلسطينية من الأردن عام 1970، ثم من بيروت عام 1982 بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان.
وعلى الرغم من الضغوط والعزلة السياسية، استطاع أن يحافظ على وحدة القرار الفلسطيني، وأن يبقي القضية حاضرة على الأجندة الدولية والإقليمية.
العودة إلى أرض الوطن وتأسيس السلطة الوطنية
في عام 1994، عاد عرفات إلى أرض الوطن بعد توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية و"إسرائيل"، ليبدأ مرحلة جديدة من النضال تمثلت في بناء مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية.
تولى منصب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، وانتُخب رئيسًا في أول انتخابات رئاسية عام 1996.
ركز خلال تلك الفترة على ترسيخ الكيان الفلسطيني الناشئ، وبناء مؤسسات الدولة، رغم ما واجهه من عراقيل سياسية واقتصادية وأمنية.
رمز الوحدة والصمود
على مدار مسيرته، كان ياسر عرفات رمزًا للوحدة الوطنية، حريصًا على جمع الصف الفلسطيني تحت مظلة واحدة، مؤمنًا بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
ظلّ متمسكًا بالثوابت الوطنية رغم الضغوط، ورفض أي حلول تنتقص من الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني.
الرحيل والإرث الخالد
في 11 نوفمبر عام 2004، رحل ياسر عرفات عن عمر ناهز 75 عامًا، بعد حياة حافلة بالعطاء والنضال.
ودّعه الفلسطينيون في جنازة مهيبة شارك فيها الملايين في رام الله والقاهرة، في مشهدٍ جسّد وحدة الشعب حول قائده التاريخي.
ترك عرفات إرثًا وطنيًا وسياسيًا عميقًا، ما زال حاضرًا في الذاكرة الفلسطينية والعربية والعالمية، إذ يُنظر إليه باعتباره أحد رموز التحرر الوطني في القرن العشرين.
إحياء الذكرى: وفاءٌ للعهد واستمرار للمسيرة
في الذكرى الحادية والعشرين لرحيله، يحيي الفلسطينيون في الوطن والشتات ذكرى القائد أبو عمار عبر فعاليات وطنية وشعبية ورسمية، تؤكد تمسكهم بالثوابت التي ناضل من أجلها، وتجدّد العهد على مواصلة طريق الحرية والاستقلال.
ويستذكر الفلسطينيون إرثه في بناء الهوية الوطنية وتوحيد الصف، معتبرين أن مسيرته ما زالت تلهم الأجيال الجديدة في مواجهة التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية.