يوتيوب تحذف 700 شهادة على جرائم إسرائيل في غزة
يوتيوب تحذف 700 شهادة على جرائم إسرائيل في غزة
الكوفية في خطوةٍ أثارت استياءً واسعاً في الأوساط الحقوقية والإعلامية، أقدمت منصة يوتيوب، التابعة لشركة غوغل، على حذف ما لا يقل عن 700 مقطع فيديو توثّق انتهاكات لحقوق الإنسان في فلسطين وتكشف جوانب من الدمار الواسع في قطاع غزة خلال حرب الإبادة الأخيرة.
كما أثارت الخطوة التي كشفها موقع "ذي إنترسبت (The Intercept)" الأميركي، أثارت تساؤلات حول حياد المنصات الرقمية الكبرى، وحدود التزامها بحرية التعبير عندما يتعلق الأمر بالسردية الفلسطينية.
ووفقاً للتقرير، فإن المقاطع المحذوفة تعود إلى ثلاث من أبرز المنظمات الحقوقية الفلسطينية: مؤسسة الحق (Al-Haq)، ومركز الميزان لحقوق الإنسان، والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان. وقد تضمنت هذه المواد المصوّرة شهادات مؤلمة لمدنيين نجوا من القصف، ومقاطع تُظهر الأم الثكلى التي فقدت أبناءها، إلى جانب توثيقات لعمليات تدمير منهجي للأحياء السكنية والمرافق الحيوية، وصور لاغتيال الصحافية الفلسطينية الأميركية شيرين أبو عاقلة وغيرها من المشاهد التي تُظهر طبيعة الانتهاكات الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية المحتلة.
وبحسب الموقع ، جاء حذف هذه المواد في سياق حملة أميركية غير معلنة تهدف إلى منع أي توثيق يمكن استخدامه لاحقاً في ملاحقة مسؤولين إسرائيليين قضائياً، وكي لا تستخدم من قبل المحكمة الجنائية الدولية ألتي أصدرت مذكرتي اعتقال لرئيس وزراء إسرائيل ، بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه آنذاك، يوآف غالانت ، بتهم تتعلق بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في غزة في 12 تشرين الثاني 2024.
ويرى محللون أن توقيت الحذف ليس صدفة، بل يعكس محاولة لحجب الأدلة البصرية التي قد تشكّل أساساً لأي تحقيقات مستقبلية في هذه الجرائم.
في المقابل، أكدت شركة يوتيوب قرارها، موضحة أن تعليق حسابات المنظمات الثلاث جاء التزاماً بـ"القوانين الأميركية الخاصة بالعقوبات والتجارة". وقال المتحدث باسم الشركة بوت بولوينكل في بيان: "غوغل ملتزمة بتطبيق القوانين والعقوبات التجارية المطبقة في الولايات المتحدة".
لكن هذا التبرير لم يقنع المنظمات الحقوقية التي اعتبرت أن المنصة تستتر خلف مبررات قانونية لتنفيذ أجندة سياسية، خصوصاً أن المحتوى المحذوف لا يتضمن تحريضاً أو مخالفة لمعايير النشر.
وقالت المحامية كاثرين غالاغر، من مركز الحقوق الدستورية في نيويورك بيان صحفي، إن قرار يوتيوب يمثّل "جزءاً من سياسة أوسع تهدف إلى إخفاء الأدلة البصرية على جرائم الحرب والانتهاكات الإنسانية بحق المدنيين الفلسطينيين". وأضافت أن المنصة "تساهم عملياً في طمس الحقيقة وخدمة أهداف سياسية تتقاطع مع موقف الإدارة الأميركية من إسرائيل".
أما منظمة الحق، وهي إحدى الجهات المتضررة من القرار، فقد أكدت في بيان أن قناتها حُذفت من دون أي إشعار مسبق أو فرصة للاستئناف، معتبرة ذلك "انتهاكاً صارخاً لمبادئ الشفافية والمساءلة التي تتبناها يوتيوب نظرياً". وأوضحت أن مقاطعها كانت تُستخدم كـ"وثائق قانونية أساسية" لتقديم أدلة أمام الهيئات الدولية، وأن حذفها "يمثل محاولة متعمدة لتجريف الذاكرة الحقوقية الفلسطينية".
ويكشف هذا الإجراء عن تداخل عميق بين التكنولوجيا والسياسة، حيث لم تعد المنصات الرقمية مجرّد أدوات تواصل، بل فاعلاً مؤثراً في تشكيل الرأي العام والتحكم في السرديات. فالقرار، وإن تم تبريره بالقوانين الأميركية، يُظهر أن حرية التعبير على الإنترنت ليست مطلقة، بل خاضعة لاعتبارات جيوسياسية تحدد ما يُسمح بنشره وما يُمحى من الذاكرة الرقمية.
كما يعكس الحذف ازدواجية واضحة في معايير حرية التعبير الغربية؛ إذ تسمح المنصات نفسها بنشر مواد توثق انتهاكات في دول تُعتبر خصوماً للولايات المتحدة، لكنها تحظر المحتوى الذي يُحرج حلفاءها، وعلى رأسهم إسرائيل. وبهذا، تتحول قيم الشفافية والمساءلة إلى شعارات انتقائية تُستخدم حين تخدم المصالح السياسية.
ويؤكد محللون أن ما جرى ليس مجرد إجراء إداري بل جزء من معركة على الحقيقة، حيث تسعى المنصات الكبرى إلى إدارة الوعي الجماعي أكثر مما تتيح حرية التعبير. فحين تُمحى 700 شهادة بصرية توثّق معاناة بشرية في غزة، فإن ذلك يعني أكثر من مجرد حذف محتوى: إنه طمس للذاكرة وإعادة صياغة للسردية التاريخية.
كما يضع قرار يوتيوب تساؤلات جوهرية حول مسؤولية شركات التكنولوجيا العملاقة في الحفاظ على الحق في المعرفة، وحول حدود دورها بين الامتثال للقانون وبين احترام الحقيقة. ومع استمرار الحرب الميدانية والإعلامية على حد سواء، يبدو أن المعركة على السردية الفلسطينية دخلت مرحلة رقمية جديدة، حيث لا تُدار فقط بالأسلحة، بل أيضاً بخوارزميات الحذف والإسكات.