- مراسلنا: اندلاع مواجهات عنيفة في بلدة بيتا جنوب نابلس والاحتلال يُطلق الرصاص الحي بكثافة تجاه الشبان
- شهداء وجرحى في قصف سيارة قرب برج النوري غرب مخيم النصيرات
- مصادر محلية: 43 شهيدا في القصف الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ فجر اليوم
صدق الشاعر حين قال: «إنّما الأمم الأخلاق ما بقيت/ فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا».
هذا ليس مجرّد بيت من الشعر الإبداعي، وإنّما قراءة فلسفية، يتّسم صاحبه بالحكمة وبُعد النظر.
إن أسقطنا المفهوم الذي يرمي إليه الشاعر في هذا البيت من القصيد، على السياسة والتطوّرات الجارية سواء على مستوى العالم أو المنطقة، فإنّ ما يجري في غير مكان، خصوصاً ما يتعرّض له الشعب الفلسطيني في غزّة والضفة، يشير إلى سقوط القيم الأخلاقية والإنسانية، ما يؤشّر حقيقة على بداية سقوط منظومات، ونظم سياسية، وإمبراطوريات.
نعم حين تسقط منظومات القيم، ومنظومات العدالة، تسقط أنظمة ومجتمعات بدت لكثير الوقت أنها محصّنة.
ينطبق هذا المعنى على ما تعيشه الولايات المتحدة الأميركية في عصر دونالد ترامب، وما تعيشه الدولة العبرية في عصر «الائتلاف الفاشي الحاكم» فيها، وربّما يمتد إلى كثير من الدول العربية و»الغربية»، التي تفتقد إلى حكم الضمير، وقيم حقوق الإنسان، والعدالة، وأخضعت الشعوب إلى سياسة الغاب.
لم يعد للكلام، ولا للتصريحات، ولا للصرخات أيّ معنى حين يقف الناس على مشاهد، يتعرض لها أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزّة، من قتلٍ وتدميرٍ، وتجويعٍ، وأمراضٍ بفعل فاعل معلوم.
في غزّة، استشهد أو أصيب أكثر من 10% من السكّان جرّاء القصف الوحشي المتواصل، الذي يحصد كل يومٍ عشرات الناس الذين لا يتوقّفون عن النزوح من منطقة إلى أخرى بحثاً عن أمن مؤقّت، ريثما يأتيهم القدر باستشهاد أو فرج لا يبدو قريباً.
في غزّة، يموت الناس بالقصف الهمجي، ويُقتل من يصاب، لأنه لا يجد العلاج اللازم سواء في مستشفيات القطاع، الخالية من أبسط المستلزمات الطبية، أو بسبب الحصار وعدم القدرة على الخروج بتحويلة طبية.
ويُقتل الناس في غزّة، بسبب الأمراض السارية والمتفاقمة بسبب المكاره الصحية، وانتشار الأوبئة والحشرات، والجثث المتعفّنة تحت الركام، أو بسبب تلوُّث المياه.
ويُقتل الأطفال، بسبب سوء التغدية، حيث بلغ عدد هؤلاء نحو 60 ضحية، عدا من لم يتمّ تسجيلهم رسمياً، وتُقتل الأجنّة في الأرحام، بسبب تعرُّض عشرات الآلاف من النساء للقصف أو الإصابة أو سوء التغذية.
لا يخجل مسؤولون كُثر في دولة الاحتلال، من مواصلة التحريض العلني، والفعل المعلن، لمواصلة تجويع السكّان، وتعطيشهم ومنع وصول المواد المنقذة للحياة، دون أن يُحرّك أحد في هذا العالم، ما يساعد في وقف عملية الإبادة والاقتلاع.
الألسن فقط هي من تتحرّك كلّ الوقت، بما لا يجدي نفعاً لأن الفاعل يُصرّ على مواصلة حربه الإبادية.
الكلّ مسؤول، بهذا القدر أو ذاك، فإذا كانت الإدارة الأميركية شريكاً مباشراً، في تدمير منظومة القيم، وحماية ودعم الفاعل، وكذلك بالنسبة لعديد الدول الأوروبية الغربية فإن العرب والمسلمين ليسوا بريئين من دم عثمان.
لا يريد الفلسطينيون من الأشقّاء العرب، أن يجرّدوا أسلحتهم ويحرّكوا طائراتهم ودبّاباتهم، لمنع جناة الإبادة والمعتدين من مواصلة عدوانهم، فثمّة وسائل ناعمة أقلّ تكلفة يمكن في حال استخدامها إظهار وزن فاعل للتأثير على مجريات الأحداث.
وربّما يبالغ البعض حين يطالب الأشقّاء العرب والمسلمين بوقف عمليات «التطبيع»، وسحب السفراء، والتهديدات باتخاذ خطوات وإجراءات دبلوماسية.
ولكن ألا يمكن لبعض الأشقّاء العرب، الذين لم يتوقّفوا عن تزويد دولة الاحتلال بكل أنواع البضائع، أن يشترطوا إدخال شاحنة لغزّة مقابل عشر شاحنات تصل إليها؟
كيف يمكن أن نفسّر، اندلاع الاحتجاجات والتظاهرات في معظم دول العالم، خصوصاً «الغربي»، بينما لا تتحرّك الجماهير العربية، بشكل سلمي، أم أن العرب والمسلمين، أيضاً، قد فقدوا أصلاً، منظومات القيم، التي تسقط اليوم أمام حركة التاريخ.
حين تعجز منظومات العدالة الدولية عن الفعل، إنما يشكّل ذلك مؤشّراً عملياً حقيقياً على انهيار نظام عالمي، وقيم دفعت من أجلها البشرية مئات ملايين الضحايا.
لم يعد ثمّة شعور بالحرج من ممارسة سياسات تعتمد معايير مزدوجة، ولا يشعر بالحرج من أسقط راية حقوق الإنسان بعد أن استخدمها لعقود، في حروبه الإجرامية ومؤامراته، لتعميق سيطرته على ثروات الشعوب ونهبها لترسيخ قوّته الغاشمة.
تجتمع أعلى سلطة قضائية في العالم، وتستمع إلى عشرات الشهادات التي تشير إلى الجريمة ومرتكبيها، ولكنها لا تستطيع أن تفعل أكثر من ذلك وفق الآليات، التي تمنح «الفيتو» الأميركي، القدرة على قلب موازين العدالة.
لم تمضِ أسابيع، حتى كانت «الجنائية الدولية»، قد أصدرت مذكّرة اعتقال للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ما لم يتأخّر زعماء العالم الظالم عن الترحيب به، ولكنها تتباطأ كثيراً حين تُصدر أحكاماً بحق من يرتكبون مجازر الإبادة الجماعية في القطاع، ولا يجرؤ القائمون عليها على إصدار المزيد من المذكّرات المستحقة.
هذه هي بعض من خصائص النظام العالمي، والقيم التي استخدمها، وهي إذ تؤول إلى السقوط فإنها تنذر بسقوط ذلك النظام والقائمين عليه.
الحرب الإجرامية مستمرة ليس في غزّة أو الضفة الغربية فقط، ففتائل التفجير والتبريرات لمواصلتها موجودة في لبنان، وكذلك في سورية، وربّما يفتح بنيامين نتنياهو جبهات جديدة إذا لم تسعفه الظروف والتطوّرات، في البحث عن أسباب لمواصلة الحرب العدوانية في المنطقة وعليها.
لن يسامح الفلسطينيون أشقّاءهم العرب، إزاء قصورهم المتعمّد فيما يتعلّق بمجريات الصراع في القطاع، فإن كانوا يكرهون المقاومة و»حماس» فلماذا لا ينتصرون للضفة حيث لا توجد المقاومة التي يكرهونها، ولا توجد «حماس»، ولماذا لا ينتصرون لسورية «المتسامحة والرّاغبة في التطبيع»، ولماذا لا ينتصرون للبنان الذي يتعرّض لعدوان لا يتوقّف حتى وهو يعلن صباح مساء التزامه باتفاقية وقف إطلاق النار؟