الدولار والشيكل بين كماشة ترمب وبنك إسرائيل: هل بدأت الحرب الصامتة على سعر الصرف؟

الدولار والشيكل بين كماشة ترمب وبنك إسرائيل: هل بدأت الحرب الصامتة على سعر الصرف؟
الكوفية في لحظةٍ سياسية واقتصادية معقدة، يعود الحديث بقوة عن سعر صرف الدولار مقابل الشيكل، في ظل مشهد تتقاطع فيه الحسابات السياسية الأمريكية مع التعقيدات الاقتصادية الإسرائيلية؛ ما يحدث الآن يتجاوز مجرد تقلبات سوقية معتادة، ليعكس صراعًا هادئًا بين توجهات الفيدرالي الأمريكي، وضغوط البيت الأبيض بقيادة دونالد ترمب، من جهة، وبين أولويات بنك إسرائيل من جهة أخرى.
الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، لا يخفي توجهاته : هو يريد خفضًا سريعًا وكبيرًا في أسعار الفائدة الأمريكية ؛ بالأمس، تم استدعاء رئيس الفيدرالي جيروم باول إلى الكونغرس، وسط تصاعد التوتر مع الإدارة الأمريكية التي تتهمه بإبطاء النمو الاقتصادي من خلال الحفاظ على مستويات الفائدة المرتفعة، خفض الفائدة يعني إضعاف الدولار، مما يمنح الصادرات الأمريكية ميزة تنافسية، ويعزز السوق الداخلي، وهو ما يتناغم مع أجندة ترمب الاقتصادية الشعبوية الطابع.
في المقابل، فإن ارتفاع احتمالات خفض الفائدة ينعكس مباشرةً على قيمة الدولار عالميًا، مما يضعف من جاذبية العملة الأمريكية مقابل عملات أخرى، بما فيها الشيكل.
اليوم ، في تصريحات لافتة، أقرّ محافظ بنك إسرائيل أن “قوة الشيكل تزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي”، في إشارة واضحة إلى أن العملة المحلية أصبحت قوية أكثر من اللازم، بشكل يضر بالصادرات ويضغط على ميزان المدفوعات الإسرائيلي، هذه التصريحات تُفهم كمقدمة تمهيدية لاحتمال تدخل البنك المركزي لإضعاف الشيكل أو على الأقل الحد من ارتفاعه، هذا التوجه، وإن لم يُعلن صراحةً، يفتح الباب أمام احتمالات دخول بنك إسرائيل على خط “التدخلات غير المباشرة” في سوق العملات، سواء عبر السياسة النقدية أو من خلال أدوات مثل شراء الدولار أو تقليص أسعار الفائدة المحلية لاحقًا.
تأتي هذه التطورات في وقت يعاني فيه الاقتصاد الإسرائيلي من ضغوط غير مسبوقة: تراجع في ثقة المستهلك، تباطؤ في قطاع التكنولوجيا، وعجز مالي متصاعد بسبب الإنفاق العسكري المرتبط بالحرب المستمرة على غزة، وفي ظل هذه الأوضاع، فإن قوة الشيكل تتحول من ميزة إلى عبء اقتصادي، يعمق الركود ويضر بالصادرات ويضغط على أرباح الشركات الكبرى.
من المهم الانتباه إلى أن معركة سعر الصرف لم تعد معركة اقتصادية فقط، بل تحولت إلى أداة جيوسياسية ، ففي اللحظة التي يسعى فيها ترمب لتحفيز الاقتصاد المحلي تحقيقياً لرؤيته ، فإن إضعاف الدولار أصبح أداة سياسية بامتياز، حتى لو تعارض ذلك مع استقلالية الفيدرالي ، أما في إسرائيل، فإن أي خطوة لإضعاف الشيكل لن تكون مجرد قرار مالي، بل ستحمل أبعادًا داخلية وخارجية، خاصة أن الاقتصاد الإسرائيلي يعتمد بشكل كبير على علاقاته مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتوازنات الأسواق العالمية.
إذن، نحن أمام تقاطع بالغ التعقيد ، البيت الأبيض يدفع باتجاه دولار ضعيف عبر خفض الفائدة ، إسرائيل تلمّح إلى أن الشيكل قوي أكثر مما ينبغي ، الأسواق من جهتها، تحاول استيعاب هذه الرسائل المتناقضة، وسط مخاوف من تباطؤ اقتصادي عالمي ومخاطر جيوسياسية تتصاعد في الشرق الأوسط ، عليه ، من المتوقع أن نشهد خلال الشهور القادمة تذبذبات حادة في سعر صرف الدولار مقابل الشيكل، وقد نرى تدخلات متزايدة من البنكين المركزيين الأمريكي والإسرائيلي، كلٌّ حسب أهدافه وسياسته.
لكن المؤكد أن ما نشهده الآن ليس مجرد تقلبات في العملة، بل بداية "معركة صامتة" على سعر الصرف، تتداخل فيها السياسة والاقتصاد، الداخل والخارج، والمصالح الوطنية مع الرهانات الانتخابية ، ومن يدفع الثمن في النهاية هم الشركات والمواطنون على طرفي الدولار والشيكل.