نشر بتاريخ: 2025/07/09 ( آخر تحديث: 2025/07/09 الساعة: 00:47 )

حشد: الاحتلال يهندس تعزيز الفوضى في غزة لتفكيك نسيج المجتمع الفلسطيني

نشر بتاريخ: 2025/07/09 (آخر تحديث: 2025/07/09 الساعة: 00:47)

الكوفية أصدرت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني “حشد” تقريرًا نوعيًا بعنوان: “هندسة الاحتلال الإسرائيلي في تعزيز الفوضى وتداعياتها على السلم الأهلي خلال حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة”، من إعداد الباحثة ياسمين قاسم.

التقرير، الذي جاء في أكثر من عشرة فصول، يكشف بشكل غير مسبوق عن السياسات الممنهجة التي استخدمتها إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023 بهدف تفكيك المجتمع الفلسطيني، ليس فقط عبر العدوان العسكري، بل من خلال صناعة فوضى أمنية واجتماعية واقتصادية شاملة، لتفتيت الروابط الداخلية وضرب البنية المؤسسية والمجتمعية لغزة.

السلم الأهلي في قلب الاستهداف الإسرائيلي

يركز التقرير في فصله الأول على مفهوم السلم الأهلي، باعتباره الأساس في الحفاظ على وحدة المجتمع الفلسطيني وقدرته على مواجهة الاحتلال. ويوضح أن الاحتلال الإسرائيلي، وعلى مدار سنوات طويلة، حرص على ضرب هذا السلم من خلال سياسات التجويع والترويع وتغذية الانقسامات. ويبيّن التقرير أن سيادة القانون في قطاع غزة تآكلت بشكل شبه كامل، وأن العدوان المستمر تسبب في فقدان الأمن، وتراجع الثقة بين المواطنين، وغياب أدوات الحماية القانونية، ما مهّد الطريق لظهور العنف الداخلي ومظاهر الانفلات الأمني.

تفكيك الأجهزة الأمنية وتدمير البنية القانونية

في أحد أخطر فصول التقرير، وثّقت الباحثة استهداف الاحتلال الإسرائيلي لـ 19 مركزًا شرطيًا بشكل كامل، وتضرر 3 مراكز أخرى، ما تسبب في تعطيل شبه تام للمنظومة الأمنية في غزة. كما استشهد أكثر من 1,400 عنصر من الشرطة والأجهزة الأمنية، وأُصيب أكثر من 1,950 آخرين، وتم اعتقال 211 منهم، في سياسة قال التقرير إنها تهدف لإفراغ القطاع من أدوات الضبط المجتمعي، ودفعه نحو الفوضى.

ترافق ذلك مع استهداف مراكز الاحتجاز، مما أجبر السلطات المحلية على الإفراج القسري عن أكثر من 1,600 موقوف، بينهم متهمون في قضايا خطرة، وهو ما تسبب في انفجار أمني خطير، وتصاعد كبير في معدلات الجريمة، وخصوصًا في ظل غياب الردع القانوني.

إبادة مؤسسات القضاء: انهيار منظومة العدالة

تحدث التقرير عن التدمير الممنهج لمؤسسات القضاء في قطاع غزة، وعلى رأسها قصر العدل بمدينة غزة، الذي يضم ما يزيد عن 900,000 ملف قضائي، إضافة إلى تدمير مجمعات المحاكم في خان يونس ورفح وشمال غزة. وبلغ مجموع الملفات القضائية التي دُمّرت بفعل القصف الإسرائيلي نحو 1.2 مليون ملف، مما أدى إلى ضياع حقوق آلاف المواطنين، وشلل النظام القضائي.

كما تضررت المحاكم الشرعية ونُفذ اغتيال مباشر لعدد من القضاة الشرعيين والمأذونين، فضلاً عن تدمير مقر نقابة المحامين واستشهاد أكثر من 200 من المحامين وأفراد أسرهم، وتفجير مئات المكاتب القانونية الخاصة، في محاولة واضحة لضرب المرجعية القانونية، ونقل المجتمع من دائرة القانون إلى الفوضى المطلقة.

للاطلاع على التقرير بالكامل اضغط هنا

المساعدات تحت القصف… و”قانون الغاب” يحكم الشارع

واحدة من أكثر النقاط صدمة في التقرير، هي توثيقه استشهاد 754 عنصرًا من الشرطة خلال محاولاتهم تأمين المساعدات الإغاثية ومنع نهبها. وبيّن أن الاحتلال تعمّد قصف نقاط توزيع المساعدات، ما تسبب في مجازر متعددة عُرفت بـ”مجازر الطحين”، والتي راح ضحيتها أكثر من 400 فلسطيني، بينهم رجال أمن ومواطنون مدنيون جائعون.

الطائرات المُسيّرة الإسرائيلية من طراز “كواد كوبتر” كانت تحوم فوق شاحنات الإغاثة، وتفتح النار على الحشود، في حين يتم السماح لعصابات مسلحة بسرقتها علنًا، في مشهد وصفه التقرير بـ”تحالف الفوضى بين الاحتلال والعصابات”، لإضعاف ثقة الناس بالمؤسسات، وتفكيك المجتمع الفلسطيني من الداخل.

تفكيك مقومات الحياة من خلال البلديات والصحة والتعليم

يرصد التقرير كيف عمل الاحتلال على تفكيك المجتمع الفلسطيني عبر استهداف الأدوات المدنية والتنظيمية، كجزء من حرب الفوضى الممنهجة. فقد وثّق التقرير اغتيال رئيس بلدية دير البلح الدكتور دياب الجرو بعد ساعة من استلامه شحنة معدات صرف صحي، إضافة إلى استشهاد ما لا يقل عن 51 موظفًا بلديًا، وتدمير أكثر من 63 بئر مياه، و8 مضخات رئيسية، و175 ألف متر طولي من شبكات الصرف الصحي، ما أدى إلى تراكم 260 ألف طن من النفايات وانتشار الأوبئة.

في قطاع الصحة، كشف التقرير أن أكثر من 94% من المستشفيات باتت خارج الخدمة، وتم تدمير 180 سيارة إسعاف، واستشهد 1,581 من الكوادر الطبية، بينما يحتاج أكثر من 10 آلاف مريض للإجلاء الطبي العاجل. ووثقت منظمة الصحة العالمية 686 استهدافًا مباشرًا للمرافق الصحية، وسط نقص حاد تجاوز 90% في الأدوية، ونفاد 70% من الوقود الطبي.

أما في التعليم، فقد أشار التقرير إلى أن العدوان أدى إلى حرمان أكثر من 785,000 طالب/ـة من التعليم، نتيجة تدمير ما يزيد عن 149 مدرسة ومؤسسة تعليمية بالكامل، وتضرر أكثر من 370 مرفقًا تعليميًا جزئيًا، واستشهاد 14,000 طالب/ـة، و800 معلم/ـة، و150 أكاديميًا، ما وصفه التقرير بأنه “إبادة لجيل كامل”.

التهجير القسري وإعادة إنتاج الانقسام الاجتماعي

أفرد التقرير فصلًا خاصًا لتوثيق التهجير القسري الجماعي الذي طال نحو 90% من سكان قطاع غزة، أي ما يزيد عن 2 مليون نازح، وصفهم التقرير بأنهم “مقطوعو الجذور”. وذكر أن الاحتلال تنصّل من اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في يناير 2025، وأعاد تفعيل سياسة “أوامر الإخلاء” في مارس 2025، ما تسبب في تشريد أكثر من 280,000 أسرة فلسطينية.

داخل مناطق النزوح، تفشت العصابات، وأعمال السطو، والنهب المنظم، وانتشرت الأسلحة، وسادت ثقافة القوة في غياب القانون، مما عمّق من الانقسامات الطبقية والجغرافية والاجتماعية، وسط صمت دولي مريب.

التجويع كسلاح إبادة وصناعة فوضى

وصف التقرير سياسة الاحتلال بـ”هندسة التجويع“، إذ يتم استخدام الغذاء كسلاح لفرض الهيمنة، وخلق الفوضى. فقد وثّق التقرير استشهاد 66 طفلًا بسبب الجوع وسوء التغذية، إضافة إلى 242 حالة وفاة بسبب نقص الدواء والغذاء، و300 حالة إجهاض، و26 مريضًا بالكلى فقدوا حياتهم لانعدام الرعاية الطبية. كما يُعاني 70 ألف طفل من الهزال وسوء التغذية الحاد.

ووثّق التقرير تدمير 33 تكية طعام و40 مركزًا لتوزيع الغذاء، و719 بئر مياه، وسط اعتماد 90% من السكان على المساعدات. وحتى تلك المساعدات، تم إدارتها بطريقة فوضوية، من خلال الإسقاط الجوي العشوائي، أو عبر الرصيف البحري الأمريكي، ما تسبب في استشهاد 9 مدنيين بسبب سقوط الطرود، و11 غريقًا في البحر أثناء ملاحقة المعونات، وتحول نقاط التوزيع إلى ساحات قنص وقتل جماعي.

ظهور العصابات المسلحة المدعومة من الاحتلال

تطرّق التقرير إلى ظهور ما يُعرف بـ”جماعة ياسر أبو شباب“، وهي مجموعة مسلحة تمارس دورًا أمنيًا مزعومًا، وتفرض “رسوم مرور” على شاحنات الإغاثة تصل إلى 15 ألف شيكل، وتقوم بـالقتل والنهب المنظم. وأظهر قائد هذه الجماعة في تسجيلات يرتدي زيا عسكريًا أمريكيًا، فيما كشفت تصريحات عضو الكنيست الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان عن تواطؤ الحكومة الإسرائيلية معها، ما اعتبره التقرير دليلًا إضافيًا على تورط الاحتلال في تصميم الفوضى الداخلية لتفتيت السلم الأهلي الفلسطيني.

انهيار القانون وعودة “قانون الغاب”

وصف التقرير الحالة في غزة بأنها “حكم السلاح والفوضى”، حيث وثّق 30 حالة وفاة نتيجة عنف عائلي أو استخدام السلاح خارج القانون خلال عام 2024 فقط. وأورد شهادات عن حوادث قتل بسبب الشجارات أو النزاعات العائلية أو الجوع، أبرزها حادثة مقتل مواطن وشاب من الشرطة في دير البلح نتيجة خلاف على توزيع كيس دقيق.

القضاء العشائري والمحاكم الثورية: بدائل مؤقتة محفوفة بالمخاطر

مع انهيار القضاء الرسمي، عاد القضاء العشائري ليلعب دورًا ميدانيًا كبيرًا، إلا أن التقرير حذّر من تحوّله إلى سلطة موازية، تستند إلى النفوذ لا إلى القانون. وفي تطور أخطر، أُعيد تفعيل “المحاكم الثورية”، والتي تمنح ضباطًا عسكريين صلاحيات إصدار أحكام إعدام فورية، دون محاكمة عادلة، ما يُعد انتهاكًا صارخًا للدستور الفلسطيني والقانون الدولي، وقد يفتح الباب لتصفية حسابات اجتماعية وسياسية تحت غطاء العدالة.

الانقسام السياسي وتعميق الفوضى

سلّط التقرير الضوء على أن الانقسام السياسي الفلسطيني كان عاملًا مضاعفًا في تعميق حالة الفوضى، حيث غابت المؤسسات الوطنية الموحدة، وتراكمت الخطابات التحريضية والانقسامية، ما أضعف الجبهة الداخلية. ودعا التقرير إلى توحيد الجهود الوطنية فورًا، وتفعيل الحوار الفلسطيني الشامل كخطوة ضرورية لإعادة بناء النظام السياسي وترميم السلم الأهلي.

المسؤولية القانونية للاحتلال ومطالب بالمحاسبة الدولية

حمّل التقرير الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية القانونية والأخلاقية الكاملة عن تدهور الأوضاع الأمنية والاجتماعية والاقتصادية في قطاع غزة، معتبراً ما يجري جزءًا لا يتجزأ من جريمة الإبادة الجماعية. وطالب بتفعيل المساءلة الدولية، خاصة أمام المحكمة الجنائية الدولية، التي تنظر في مذكرات توقيف صدرت بحق قادة الاحتلال، بينهم بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت.