نشر بتاريخ: 2025/08/06 ( آخر تحديث: 2025/08/06 الساعة: 11:58 )
توفيق أبو شومر

هل متابعة الأحداث اجتهادية أم إستراتيجية؟!

نشر بتاريخ: 2025/08/06 (آخر تحديث: 2025/08/06 الساعة: 11:58)

اعتدت متابعة مسلسل الأعياد اليهودية لكي أتمكن من الاستفادة من طرق الاحتفال اليهودية المتجددة، وكيفية متابعة الأحداث. إن احتفال الإسرائيليين بعيد دمار الهيكلين يوم التاسع من شهر آب العبري كل عام هو عيدٌ رئيس من أعياد اليهود، وقد حلَّ هذا العام في بداية شهر آب 2025م، هو عيدٌ بكاء وحزن وألم، بسبب دمار الهيكل الأول على يد، نبوخذ نصر البابلي عام 586 قبل الميلاد، وكذلك دمار الهيكل الثاني على يد الرومانيين عام 70 ميلادية، هم يحزنون أيضاً على انتصار الرومان على ثورة، باركوخبا اليهودية. يصوم اليهود في هذا العيد يوماً كاملاً، يمتنعون فيه عن الطعام والشراب، ولبس الجديد، وانتعال الأحذية الجلدية، واستخدام العطور، والعلاقات الزوجية، والاغتسال، والذهاب للمتنزهات، وأكل اللحوم!

كنتُ أعرف تلك العادات، ولكنني لم أكن أتوقع أن يُضاف إلى مسلسل اضطهاد اليهود، خاصة في صفحات الويكيبيديا الرقمية، وفي صفحات الحركات اليهودية الدينية، وفي وزارة الخارجية الإسرائيلية، أضافوا عملية طوفان الأقصى التي قامت بها حركة حماس في غزة يوم السابع من أكتوبر 2023 إلى مسلسل الهولوكوست، لم يكتفِ الحاخامات بإضافة أحداث السابع من أكتوبر إلى مسلسل الهولوكوست، بل أضافوا أيضاً حدثاً آخر وهو الانسحاب من مستوطنات قطاع غزة في عهد شارون 2005، أضافوا هذين الحدثين الجديدين إلى قائمة الهولوكوست الممارس ضد إسرائيل، ونحتوا للمناسبتين أدعيةً دينية جديدة أضافوها إلى آيات من التوراة والتلمود، تُتلى في هذه المناسبة الخالدة، هذا بالتأكيد يُشير إلى جهد منظم يشارك فيه الحاخامات وطواقم عديدة من المتابعين النشطين، ليمزجوا الدين بالسياسة!

هكذا أضاف المتابعون الإسرائيليون اختطاف الرهائن الإسرائيليين يوم السابع من أكتوبر 2023 إلى سلسلة أحداث الإبادة التي تعرض لها يهود العالم، أضافوها إلى اضطهاد اليهود في إنجلترا عام 1290 حينما رُحل اليهود بسبب ديانتهم، وكذلك عندما طُرد اليهودُ من فرنسا عام 1306، وعندما أُجبر اليهود في إسبانيا عام 1492 على اعتناق المسيحية!

استفاد المتابعون الإسرائيليون من ملف اضطهاد (يهود المارانو) الذين عاشوا في إسبانيا، والبرتغال، معتبرين كل اليهود الذين طردوا من البلدين في القرن الخامس عشر عام 1492م، أو أجبروا على ترك دينهم اليهودي واعتناق المسيحية اعتبروا كل أبنائهم وأحفادهم الباقين على قيد الحياة مواطنين إسبانيين وبرتغاليين، نجح المتابعون النشطون في إسرائيل في دفع برلمانَي هاتين الدولتين لإصدار قانون خاص لأبناء وأحفاد يهود المارانو، ومنحهم الجنسيات الإسبانية والبرتغالية ليتمتعوا بمزايا المواطنة، وتنفيذاً لهذا المشروع الكبير طالبت الصحف الإسرائيلية من مواطنيها ممن لهم أصولٌ إسبانية وبرتغالية أن يتقدموا بطلبات الحصول على جنسيات البلدين، لذلك نشرت معظم صحف إسرائيل خبراً بعنوان (جنسيات لأحفاد يهود المارانو) يوم 18-7-2019، وهم اليوم مواطنون إسبانيون وبرتغاليون!

مع العلم أن هناك عدداً كبيراً من مسلمي الأندلس ممن استوطنوا إسبانيا والبرتغال، هؤلاء المسلمون أُجبروا على تغيير أسمائهم، واعتناق الدين المسيحي والذوبان في المجتمع الإسباني، هؤلاء المسلمون المسمّون (المورسيكيون) هم بقايا أحفاد حضارة الأندلس! للأسف، نسي العربُ هؤلاء نسياناً كاملاً، ولم يرصدوا تاريخهم، شكراً للباحثة الإسبانية، مارثيدس غارثيا أرينال، التي نشرت كتاباً عنهم، وعن اضطهادهم في بداية الألفية الثالثة بعنوان (المورسيكيون الأندلسيون) وقد نشرت في كتابها وسائل التعذيب الممارس ضدهم، وإجبارهم على الرحيل باتجاه المغرب نهائياً، ولا يجب أن نُغفل حالة النسيان الكامل للمورسيكيين من أحفادهم العرب!

مَن يتابع أي مناسبة إسرائيلية يجدْ أن هناك مايسترو منظم، له برنامج دقيق يعمل في كل المجالات، خاصة في الصحافة والإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي، وفي السينما واليوتيوب، غايته شحن الأجيال بهذه المناسبات، وتأطيرهم في برنامج إسرائيل الرئيس، وهو شحن أجيال إسرائيل بهذه المناسبات وجعلهم يحيون الماضي السحيق ليعتبروه أساساً لنهضتهم وتفوقهم!

من يتابع نشاط إسرائيل يعثر على جوهر رئيس من أجندتهم المركزية، وهو (المتابعة الدقيقة) وبلورة مضادات لكل حدث، وهم في الحقيقة ينجحون بسبب هذه الآليات، وإليكم بعض اللقطات التي اقتبسها من صحفهم في تموز 2025م!

جرى تأسيس صندوق تبرعات يهودي جديد باسم، (من الدمار للعمار) وهو يمزج بين دمار الهيكلين، وبين ما يحتاجه الإسرائيليون اليوم: «أسست عفت عوفاديا لوينسكي صندوقَ تبرعاتٍ جديداً باسم، من الدمار للعمار وذلك لربط التاريخ اليهودي بالحركة الصهيونية»!

ومن المتابعات الحديثة بمناسبة الاحتفالات الحزينة بعيد دمار الهيكلين عام 2025 أيضاً ردَّ، عميحاي شيكلي وزير الشتات اليهودي على، بيرس مورغان الصحافي البريطاني، الذي قال يوم السبت 1-8-2025: «إن كل المؤيدين لإسرائيل يكذِّبون ما يقوله الفلسطينيون عن أعداد القتلى الفلسطينيين في غزة، الذين تجاوزوا حتى تموز 2025 ستين ألفاً، وتقول هذه المجموعة المؤيدة لإسرائيل: إن الأعداد مبالغ فيها، هؤلاء المؤيدون لإسرائيل أنفسُهم صدقوا في الوقت نفسه رواية الفلسطينيين حول تجويع الأسرى الإسرائيليين»!

لم ينتدب شيكلي صحافياً تابعاً له ليرد على هذا الصحافي، بل قال هو نفسُهُ: «إن ما قاله، بيرس مورغان يثير الاشمئزاز لتحيزه للفلسطينيين»!

وفي الأول من آب الحالي نشرت معظم صحف إسرائيل، أنها نجحت بعد ثلاثة وأربعين عاماً في تقديم ستة فلسطينيين إرهابيين قتلوا ستة يهود في مطعم في باريس يوم 9-8-1982، وجرحوا اثنين وعشرين شخصاً آخرين نجحوا في تقديمهم للمحاكمة لإدانتهم!

إن معظم العرب بارعون في ردات الفعل الوقتية فقط، وهي ردات فعل تنفيسية موقوتة، ينتهي مفعولها بعد أيام قليلة، ولكن معظم العرب فاشلون في متابعة طريقة التصدي للأحداث وعلاجها، فهم لا يعتبرون دراسة الأحداث والتصدي لها إستراتيجية نضالية وطنية، بل يعتبرونها جهوداً فردية تكتيكية، هذه الحقيقة أحد أبرز أسباب ضعف العرب في ملف المتابعة والتصدي، لأن معظم العرب قاصرون في إعداد البرامج والمخططات المُحكمة للمتابعة؛ لأن الذين لا يُراكمون الأحداث ويستفيدون من المشكلات الراهنة لا يمكنهم أن يبلوروا صيغاً للتصدي لمخططات المنافسين الأعداء، وبالتالي فإنهم يعيشون لحظتهم الراهنة فقط، هؤلاء سيظلون قاصرين عن وضع إستراتيجيات المستقبل!

تذكروا دائماً أن المتابعة تشبه لعبة الشطرنج؛ لأن اللاعب الذي لا يتمكن من معرفة خطة خصمه لن يربح هذه اللعبة أبداً!