نشر بتاريخ: 2025/07/11 ( آخر تحديث: 2025/07/11 الساعة: 14:36 )
د. عماد عمر

الخيارات المتباينة: هل تعود إيران للمفاوضات أم تُحسم المواجهة عسكرياً؟

نشر بتاريخ: 2025/07/11 (آخر تحديث: 2025/07/11 الساعة: 14:36)

الكوفية لا تزال إسرائيل ترى في الخيار العسكري المسار الأمثل للقضاء على البرنامج النووي والصاروخي الإيراني، خاصة في حال قررت طهران العمل على استئناف عمليات تخصيب اليورانيوم، أو إعادة تطوير الصواريخ الباليستية، التي تعتبرها تهديداً استراتيجياً مستقبلياً لأمن اسرائيل، هذا التوجه الإسرائيلي كان حاضراً بقوة في اللقاءات التي جمعت رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض، حيث يسعى نتنياهو إلى ضمان دعم عسكري أميركي يتيح توجيه ضربات قادرة على اختراق وتدمير المنشآت النووية الإيرانية المحصّنة، في حال تم العمل على ترميمها خلال فترة العام إلى العامين القادمين.

في المقابل، ثمة تيار نافذ داخل النظام الإيراني، تمثّله وزارة الخارجية، يعتقد بأهمية الاستمرار في مسار التفاوض وعدم مغادرة الطاولة الدبلوماسية، رغم عدم الثقة بنوايا الولايات المتحدة، فبالنسبة لهذا التيار، التجربة الأخيرة أثبتت أن المفاوضات التي كانت قائمة تم إفشالها بعمل عسكري مفاجئ من جانب إسرائيل، تبعته ضربات أميركية مشتركة استهدفت منشآت نووية استراتيجية في نطنز وأصفهان وفوردو باستخدام قاذفات B2 العملاقة، هذا التصعيد العسكري سحب ما تبقى من الثقة الإيرانية بالطرف الأميركي.

ومع ذلك، يرى هذا التيار ضرورة تحييد إسرائيل عبر تحميلها مسؤولية جرّ المنطقة نحو التصعيد، وتقديم نفسها كقوة معطِّلة للحلول السلمية، في محاولة لتقريب المسافة مع الولايات المتحدة وكسب تأييد دولي، داخلياً، يسعى التيار المعتدل إلى تسويق فكرة أن إسرائيل هي العدو الحقيقي، وأن الجلوس معها على طاولة المفاوضات غير مقبول، فيما يستهدف خارجياً كسب رضا إدارة ترامب عبر إظهار انفتاح مشروط على التفاهم، ولكن بضمانات واضحة تضمن عدم تكرار سيناريو الضربات والعقوبات التي أعقبت المفاوضات السابقة.

في المقابل، يواجه هذا الخط المعتدل معارضة من تيار أكثر تشدداً، تمثّله شخصيات مثل الرئيس الأسبق أحمدي نجاد وكتل برلمانية اخرى، ترى أن العودة إلى المفاوضات ما هي إلا عبث سياسي وتضييع للوقت، هذا الصراع الداخلي يكشف عن تصدع في البنية الفكرية والسياسية للنظام الإيراني، ويفتح الباب واسعاً أمام النقاش الداخلي حول مدى جدوى التفاوض من الأساس.

في خضم هذا المشهد المعقد، تبدو الإدارة الأميركية برئاسة ترامب أكثر ميلاً لإحياء مسار المفاوضات، لعدة اعتبارات.

أولها رغبة ترامب في تحقيق إنجاز دبلوماسي يُحسب له في السياسة الخارجية، خاصة في ظل تعثره في ملفات دولية شائكة كالحرب الروسية الأوكرانية والأزمة الاقتصادية المتفاقمة مع الصين.

ثانياً، تدرك واشنطن أن توجيه ضربة عسكرية شاملة لإيران قد يؤدي إلى فوضى إقليمية عارمة تهدد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في منطقة الخليج.

ومن هذا المنطلق، تسعى الولايات المتحدة لضم إيران إلى المنظومة الاقتصادية العالمية، مقابل تحييد برنامجها النووي والباليستي، ووقف تدخلها في التحالفات الإقليمية، هذا يشمل وقف دعمها للقوى المسلحة في اليمن ولبنان والعراق وسوريا وغزة، إضافة إلى الحد من تنسيقها الاستراتيجي مع كل من روسيا والصين، الذي يشكل تحدياً مزدوجاً للهيمنة الأميركية على الصعيدين الاقتصادي والعسكري.

إلا أن هذه الرؤية الأميركية، وإن كانت مغرية لبعض الدوائر الإيرانية، لا تزال تصطدم بجملة من التساؤلات الجوهرية:

1. هل تستطيع الإدارة الأميركية تقديم ضمانات حقيقية تعيد بناء الثقة الإيرانية بعد الضربات السابقة؟

2. وما هو مصير 400 كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب الذي تؤكد طهران أنها قامت بنقله من مفاعل فوردو إلى مواقع سرّية؟

الإجابة عن هذين السؤالين ستحدد إلى حد كبير مآلات الملف الإيراني خلال الشهور المقبلة، وما إذا كان سيُحسم عبر المسار الدبلوماسي والجلوس على الطاولة أم عبر فوهة المدفع وصواريخ الطائرات.