نشر بتاريخ: 2025/06/26 ( آخر تحديث: 2025/06/26 الساعة: 11:30 )
سنية الحسيني

المستقبل النووي الإيراني بعد الحرب

نشر بتاريخ: 2025/06/26 (آخر تحديث: 2025/06/26 الساعة: 11:30)

قبل حوالى أسبوعين، شنت إسرائيل حرباً معلنة الأهداف على إيران لتدمير قدراتها النووية، في أول مواجهة معلنة ومباشرة بين البلدين، بعد عقود من العداء وحروب ظل غير مباشرة.

ورغم هجومها على المنشآت النووية والعلماء النوويين، من بين أهداف أخرى، اعتبرت إسرائيل أنها تحتاج لتدخل أميركي ينجز المهمة من خلال استخدام القنابل الأميركية الخارقة للتحصينات.

وجاء التدخل الأميركي باستهداف المنشآت الثلاث النووية المعروفة فوردو وناتانز وأصفهان، يوم الأحد الماضي، والذي اعتبره الخطاب الرسمي الأميركي ناجحاً في تحقيق الأهداف بدقة بالتدمير الكامل للقدرات النووية الإيرانية.

وشكل ذلك الحدث نهاية لتلك الحرب بعد أن استهدفت إيران قاعدة العديد الأميركية في قطر كرد اعتبار إيراني عن الهجوم الأميركي، في ضربة بدت وكأنها مرتبة، في إطار اتفاق أوسع أوقف هذه الحرب.

ارتبطت تلك النهاية للحرب بما أعلنه قبل ذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في أعقاب الضربة الأميركية، بالرغبة في إنهاء تلك الحرب، التي حققت أهدافها وفق ادعائه، ورفضه استكمال حرب استنزاف مع إيران، وفق تعبيره.

ولا ينفصل ذلك عن الثمن المكلف الذي دفعته إسرائيل في تلك الحرب، والتي قدرت بأكبر تكلفه تتكبدها منذ حرب العام ١٩٤٨، واكتشافها بالدليل القدرات الهجومية والدفاعية الإيرانية. يكشف واقع ما بعد الحرب، وفق ملاحظات خبراء مخضرمين، حاضر المشروع النووي الإيراني، ونتائج قد تقلب المعادلات التي تدعي إسرائيل والولايات المتحدة أنه تم إرساؤها بعد الحرب.

لم تنتهِ قضية المشروع النووي الإيراني مع نهاية هذه الحرب، بل قد تكون قد بدأت معها مرحلة جديدة في هذا المشروع. فبغض النظر عن ادعاءات الأطراف المتحاربة بالنصر، بدأت تحليلات لا يمكن تجاهلها تشير إلى عدم تحقيق الضربة الأميركية للهدف الإسرائيلي بتدمير البرنامج النووي الإيراني. فقد أكد تساحي هنغبي، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، أنه «من المستحيل تدمير البرنامج النووي الإيراني بالقوة وحدها».

وخلص تقييم استخباراتي أميركي تابع لوزارة الدفاع إلى أن الضربات العسكرية الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية نهاية الأسبوع الماضي لم تُدمر المكونات الأساسية للبرنامج النووي الإيراني، ولكن يمكن تأخيره بضعة أشهر فقط. ويرى ذلك التقييم أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب لم يُدمر، وإن أجهزة الطرد المركزي إلى حد كبير «سليمة».

وزعمت إيران أنها نقلت معظم اليورانيوم المخصب لديها إلى موقع غير معلوم قبل أن تشن الولايات المتحدة غاراتها الجوية على منشآتها النووية.

وقال مارك فينو رئيس قسم انتشار ونزع الأسلحة في مركز جنيف للسياسات الأمنية إن إيران توقعت الضربات الأميركية على منشآت التخصيب الثلاث الرئيسة، وتوقع أن إيران قامت بالفعل بنقل مخزون اليورانيوم المخصب.

ويسهل نقل اليورانيوم المخصب «على هيئة غاز» إلى مواقع سرية وآمنة، عبر أنابيب محدودة الحجم. كما أنه وعلى الرغم من أن تدمير اليورانيوم المخصب لا يتسبب بانفجار نووي، إلا أنه يؤدي إلى إطلاق غاز سام محدود الضرر، يصيب الموظفين المتواجدين في موقع الانفجار، إلا أن ذلك الغاز لم يتسرب بعد الضربات، الأمر الذي يرجح احتفاظ إيران بعد باليورانيوم عالي التخصيب.

كما أن مكونات أجهزة الطرد المركزي صغيرة وسهلة النقل، ويفترض أن تكون إيران قد احتفظت بجزء كبير منها، بعيداً عن الضربات المتوقعة، كما أن العاملين في هذه المنشآت العلنية منها والسرية، لم يتواجدوا في تلك المنشآت عند استهدافها، ولا يزال معظمهم على قيد الحياة.

وتستطيع إيران أيضاً تصنيع أجهزة الطرد المركزي، التي تحسن نسب تخصيب اليورانيوم، وقامت بتطوير أداء تلك الأجهزة عبر السنوات، الأمر الذي يرجح الفرضية أعلاه.

قبل الضربات، كانت إيران تملك حوالى ٢٢ ألف جهاز طرد مركزي، حسب التقديرات. واعتبر رافائيل جروسي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعرّض العديد منها لأضرار بعد استهداف منشأة نتانز وفوردو، نظراً للطبيعة الحساسة لتلك الأجهزة تجاه الاهتزازات. ومع ذلك، يشير الخبراء إلى أنه لا يُعرف عدد أجهزة الطرد المركزي التي تملكها إيران بالفعل، وتلك التي تمكنت من إخفائها في أماكن سرية.

وأكدت صحيفة التليجراف نقلاً عن خبراء، قدرة طهران على إعادة بناء المعدات الحيوية، بما في ذلك أجهزة الطرد المركزي. أعلنت إيران، قبل شن إسرائيل هجومها عليها بساعات، نيتها استبدال أجهزة الطرد المركزي القديمة في منشأة فوردو بأخرى من الجيل السادس الأسرع زمنياً في إنجاز التخصيب. كما أن إيران تمتلك مسحوق خام اليورانيوم المركز المستخرج من المناجم الصحراوية الإيرانية، والذي تقوم المنشآت النووية الإيرانية بتحويله إلى اليورانيوم المخصب.

ولفتت كيلسي دافنبورت، الخبيرة في «آرمز كونترول أسوسييشن» أنه لا يمكن القضاء على المعرفة التي اكتسبتها طهران، على الرغم من اغتيال علماء نوويين.

إن تدمير المنشآت النووية باختصار لا يعني نهاية المشروع النووي الإيراني، لأن المنشآت المعلنة التي دمرت لا تشكل إلا جزءا من المشروع فقط، لكن المواد الخام والإمكانيات العلمية والقدرات الصناعية المحلية كلها بقيت حاضرة.

وتمتلك طهران أكثر من ٤٠٠ كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة ٦٠ في المائة، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة.

ورغم إمكانية تصنيع أكثر من قنبلة نووية وفق تلك المعطيات، إلا أن تحسين نسبة التخصيب لأكثر من ٩٠ في المائة، يمكن إيران من إنتاج أكثر من قنبلة نووية بحجم مناسب، تمكن الصواريخ البالستية الإيرانية، التي أثبتت نجاعتها خلال هذه الحرب الأخيرة على حملها.

حاولت إيران طوال العقود الماضية بعد انكشاف سر مشروعها النووي في العام ٢٠٠٢ طمأنه العالم الغربي بسلميّة مشروعها، وأبدت استعدادها للتعاون. وكانت إيران من بين أوائل الدول التي انضمت لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، مع احتفاظها بحقها في الاحتفاظ بالمشروع النووي السلمي، الذي تضمنه الاتفاقية.

وأصدر المرشد الإيراني الأعلى فتوى في العام ٢٠٠٣ تحظر امتلاك واستخدام السلاح النووي في البلاد. كما وقعت إيران مع الولايات المتحدة في العام ٢٠١٥ اتفاقاً نووياً يفرض قيوداً ورقابة على مشروعها النووي.

ووافقت إيران على تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 3.67 في المئة فقط لمدة ١٥ سنة، وإبقائه بعيداً عن المستويات اللازمة للإنتاج العسكري، وخفض مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة ٩٨ بالمئة.

كما تم تجميد مشروع بناء مفاعل الماء الثقيل في أراك بموجب ذلك الاتفاق.

وخضعت إيران لأشد مستوى من الرقابة الدولية لمشروعها النووي، مقارنة مع أي دولة أخرى في العالم.

ورغم ذلك واجه الاتفاق النووي معارضة إسرائيلية، تسببت في فتور العلاقة بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، دون أن تفقد العلاقات بين البلدين بالطبع زخمها. وانسحب دونالد ترامب من الاتفاق في العام ٢٠١٨، انسجاماً مع الرغبة الإسرائيلية، دون أن تتمكن الدول الغربية الكبرى، التي ضمنت الاتفاق من حمايته.

كشف الهجوم الإسرائيلي على إيران، والضربة الأميركية اللاحقة عليها، بعد تجربة طويلة من محاولات الالتزام مع الغرب في إطار مشروع نووي سلمي عدم جدوى تلك المحاولات، ما يفسر إمكانية تنفيذ التهديد الإيراني، الذي جاء قبل الحرب مباشرة، بالانسحاب من اتفاقية حظر انتشار السلاح النووي، والتي تتيح ذلك لأعضائها.

يأتي ذلك في ظل التسريبات المتكررة لمعلومات إيران النووية من قبل الوكالة الدولية إلى جهات معادية لإيران، ما شكل إخلالاً جسيماً بمبدأ الحياد، ويشكك في نزاهة منظومة الرقابة الدولية. كما أن تلك المنظومة الدولية قد عجزت عن حماية المشروع النووي الإيراني، عندما قامت إسرائيل والولايات المتحدة باستهدافه والاعتداء عليه، وفق الاتفاقية.

إن الانسحاب من المعاهدة سينقل إيران إلى وضع «الغموض النووي»، وهو ما سيجعل الدول الأخرى تتعامل معها كدولة نووية محتملة، سواء في العلاقات الدبلوماسية أم في السياسات الردعية والعقابية، والذي يعد تحوّلاً إستراتيجياً في معادلة الردع.

كانت حرب الـ ١٢ يوماً ما أرادته وخططت له إسرائيل طويلاً، لكن نتائجها لم تأتِ كما تمت أو اعتقدت. فالواقع يشير إلى أن ما بعد الضربة لن يكون كما قبلها، وأن كل الأطراف باتت تراجع أوراقها في ضوء معادلة جديدة. فقد حذّر محللون من أن البرنامج النووي الإيراني قد يتحول إلى مشروع سري بالكامل بانتقاله للظل، حتى الإعلان عن عسكرته.

ورأت صحيفة «بوليتيكو» أن الضربات الأميركية لإيران ربما تُعجل بقرارها السياسي نحو تصنيع سلاح نووي. فتوازن الردع أو الردع النووي في المنطقة بين إيران وإسرائيل يأتي لصالح المنطقة، ويشجع صعود أقطاب أخرى، دون أن يبقى ذلك حكراً على إسرائيل، الدولة الأكثر اعتداءً على دول المنطقة منذ تأسيسها العام ١٩٤٨.

وقد أشار المنظر الواقعي كينيث والتز لتلك الخلاصة من قبل، عندما رأى أن إيران النووية من شأنها أن تساعد على استقرار المنطقة. ومن المعروف أن امتلاك السلاح النووي يشكل قوة ردع بشكل أساس، دون توقع استخدامها. فامتلاك السلاح النووي من قبل القطبين السوفييتي والأميركي خلال الحرب الباردة منع حدوث حرب عالمية ثالثة، طوال كل تلك العقود الماضية.

كما أن امتلاك ذلك السلاح من قبل الهند وباكستان يعد السبب الأهم في عدم انفجار حرب نووية بين البلدين حتى الآن، كما أن امتلاك الدولة للسلاح النووي يمنحها قوة ردع ومكانة ونفوذاً عسكرياً وسياسياً على المستوى الإقليمي والدولي، ويكبد كلفة عالية في حال الاشتباك معها، ويجعل حدود العلاقات معها تدور في إطار الاحتواء والتفاوض والتفاهم بعيداً عن مهاجمتها، كما يتعامل العالم مع كوريا الشمالية حالياً.