هيمنة إسرائيل على الملفات النووية!

توفيق أبو شومر
هيمنة إسرائيل على الملفات النووية!
سأظل أتذكر قصة غزو واحتلال أميركا للعراق العام 2003 والسيطرة عليه وتغيير نظام الحكم هناك بادعاء امتلاك العراق للسلاح النووي، وقد اكتشفنا بعد فترة طويلة أن العراق كان بريئا من دم السلاح النووي، وأن هذا الاحتلال كانت غايته تثبيت هيمنة إسرائيلية على الملف النووي بدعم أميركي، وأن أسباب الغزو كانت ذريعة فقط لتحقيق تلك الهيمنة!.
سوف أظل أتذكر أيضا أن الإيرانيين قصفوا بالطائرات موقع التخصيب النووي العراقي المخصص للأغراض السلمية بإشراف فرنسي نهاية العام 1980، قبل أن تدمره إسرائيل بحجة الإشعاعات المنبعثة من المفاعل، وكان ذلك في ذروة الحرب الإيرانية العراقية، ولكن طاقم المفاعل الفرنسي استطاع ترميم الأضرار، وقام بتكملة التخصيب، غير أن إسرائيل في عهد مناحيم بيغن قررت تدمير المفاعل نهائيا، شنَّتْ عملية أوبرا يوم 9-6-1981.
كذلك الحال في ليبيا، ففي شهر تشرين الأول 2003 استطاع القذافي في ليبيا تهريب شحنة من أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم على متن سفينة ألمانية، ولكن المخابرات الإسرائيلية والأميركية تمكنت من ضبط الشحنة، وكان القذافي قد استعان بعالم الذرة الباكستاني، عبد القدير خان، ولكن القذافي أعلن عن تخليه الطوعي عن المشروع يوم 19 كانون الأول 2003، وسلم كافة المعدات والوثائق النووية لواشنطن مباشرة، بعد يأسه من إكمال مشروع السلاح النووي، وكانت إسرائيل هي المايسترو في هذا الملف!.
سوف أتذكر أيضا تدمير إسرائيل للمفاعل النووي السوري في مدينة دير الزور يوم 6-9-2007، بحجة أن الكوريين الشماليين بنوا هذا المفاعل النووي، وأنه يهدد وجود إسرائيل!.
صرح الخبراء والمعلقون والمحللون وما أكثرهم! بأن سبب الضربة الأميركية للمفاعلات النووية الإيرانية يوم 22-6-2025 يعود إلى أن إيران على وشك إنتاج قنبلة نووية، وظهر محللون مختصون بالتخصيب النووي هؤلاء وشرحوا نسبة التخصيب النووية، والتي تبدأ أقل من 2% وتنتهي عند أكثر من 90%، وقالوا، إن إيران أوشكت أن تصل إلى الحد الأقصى من النسبة، وأنها تجاوزت النسبة المخصصة لها، وقال آخرون، إن سبب هذه الحرب يرجع إلى أن إيران تشجع الإرهابيين، وتدعم التنظيمات الفلسطينية والعربية الإرهابية، وقال آخرون من المحللين الذين يعيشون في الغرب، إن إيران عدو لدود للديمقراطية، فهي تقوم بإعدام المعارضين السياسيين، وتضطهد الأقليات، فهي الدولة الوحيدة في العالم التي تحتاج إلى تغيير، وأنها الدولة الوحيدة الشاذة في العالم كله!.
وفسر آخرون تدخل أميركا في إيران، وأرجعوا سبب الضربة الأميركية إلى الصراع بين المسلمين أنفسهم، لأن إيران هي دولة (الشيعة)، فهي، إذاً، تهدد الدول السنية الحليفة لأميركا الراعية للاتفاقية الإبراهيمية!.
غير أن قليلين من المحللين ممن يلبسون ملابس الغوص في بحور تاريخ العالم، ربطوا بين أهداف ضرب أميركا وإسرائيل لإيران، وبين المنافسة على مركز الصدارة في العالم بين هذين القطبين الرئيسيين وهما، القطب الأميركي الأوروبي، والقطب الروسي الشرقي! هاتان القوتان الكبريان في العالم، الأولى برئاسة أميركا وحلفائها الأوروبيين، والثانية روسيا، والصين، وإيران، وكوريا وبعض الدول المترددة بين القطبين الكبيرين، علما بأن التماثل بين دول المحور الروسي قليل جدا! كما أن المحور الروسي لم يتبلور بعد، بل إنه لا يزال في طور الأفكار وهو المسمى، حلف روما الثالثة، وضع هذه التسمية الراهب فيلوثيوس العام 1524، هذه التسمية تضم، اليوم، عدة دول في العالم وهي التي تكره أميركا، أكثر من كونها مؤمنة بنظرية روما الثالثة، مثل إيران، كوريا، والصين، غير أن كثيرين من الباحثين يرون أن الصين تتمتع بالذكاء السياسي والتجاري وهي حتى اللحظة لم تُقرر نهائيا الانضمام إلى روسيا في هذا الحلف، ليس فقط بسبب قيادة الحلف، ولكن لأن لهذا التحالف صبغة دينية، تتمثل في تياري المسيحية الكبيرين؛ الكاثوليكية، والأرثوذكسية، الصين دولة علمانية تجارية تسعى لتحقيق الربح التجاري بالدرجة الأولى!.
نظرية، روما الثالثة، هي نظرية تعكس الصراع بين أشهر تيارين في الكنائس المسيحية في العالم، أي أنها نزاع صامت بين الكاثوليكية الغربية، والأرثوذكسية الشرقية، هذه النظرية جُدِّدتْ وبرزت من جديد في موسكو في بداية القرن العشرين، هذه النظرية تبناها الفيلسوف الروسي، ألكسندر دوغين، وهو كما يسميه كثيرون (عقل بوتين) وزعموا أنه يصوغ سياسة روسيا، هذا الفيلسوف ولد العام 1962، وهو الذي حول شعار روما الثالثة إلى سياسة حربية ودبلوماسية جديدة، فهو يفسر نظرية روما الثالثة تفسيرا تاريخيا كما وردت في كتب التاريخ، فقد انهارت روما الأولى في العصور الأولى بسبب انتشار البدع وبسبب تقصير المسيحية الكاثوليكية، أما روما الثانية قد هُزمت في القسطنطينية على يد الأتراك المسلمين، عندما دمرت الكنيسة الرومانية العام 1393، بعد هذين الانهيارين، رحل البلغاريون الأرثوذكس إلى روسيا، وأصبحت موسكو العام 1492 هي روما الثالثة، امبراطورية الأرثوذكس الشرقيين، وهي بالتالي لن تسقط مرة أخرى، بل ستصبح هي المهيمنة على العالم! هذه النظرية سُميت أيضا باسم، أوراسيا، أي أنها مزيج من أوروبا وآسيا!.
مع العلم أن دوغين كان مناهضا للشيوعية في روسيا، وهو يُتهم من الغرب بأنه عنصري، غير أنه تمكن، من تأسيس حزب (بولشونك) 1993 كحزب روسي مرخص.
من أبرز آرائه السياسية: «يجب على روسيا أن تستعيد قوتها عبر الغزو، وأن إعادة احتلال أوكرانيا مُبرَّرٌ لتحقيق تلك النظرية، لهذا فقد اتُّهم بعضُ الموالين لأوكرانيا باغتياله، فوضعوا له قنبلة في سيارته العام 2022، إلا أن ابنته، داريا هي التي قُتلت في حادث السيارة، وهو لم يصب بأذى!.
إذاً، فإن للهجوم الأميركي على إيران التي تتعاون مع روسيا في المجال العسكري، هدفا رئيسا وهو محاولة إدامة الهيمنة الكنسية الكاثوليكية لإنهاك روسيا، والحيلولة دون حصولها على زعامة العالم، لا سيما أن هناك إعلاما أميركيا يشير إلى أن معظم الطائرات الروسية المسيّرة المهاجمة لأوكرانيا هي من إنتاج إيران، وأن إيران هي جزء رئيس من قوة هذا الحلف!.
كما أن التيار الديني المهيمن على السياسة الأميركية، وهو تيار المسيحانية الإنجيلية، يرفض حركة، روما الثالثة الساعية لهيمنة التيار الأرثوذكسي الشرقي!.
إذاً، فإن عودة الحروب الدينية إلى ساحات العالم هي التيار السائد، اليوم، إلى جوار الحروب الاقتصادية، فهي بديل الاستعمار العسكري السابق!.
ويجب ألا ننسى أيضا أن الحرب الحقيقية الاقتصادية الدائرة، اليوم، هي بين أميركا والصين على زعامة العالم، لذلك فإن للهجوم الأميركي على إيران علاقة بمشروع الصين الكبير المتمثل في تأسيس مشروع طريق الحرير العام 2013. لأن إيران هي جزءٌ رئيس من طريق الحرير، وهي قد أعلنت انضمامها إلى هذا المشروع الكبير!
إلى متى ستظل إسرائيل هي المالك الحصري لملف القنابل النووية في الشرق الأوسط، وأنها لا تزال تملك حق الفيتو على التخصيب النووي للأغراض السلمية لكل دول المنطقة؟ فهي المعارض الرئيس لتزويد الدول العربية بهذه التقنية، وعلى رأسها الطاقة النووية للأغراض السلمية، فهي لا تزال تعارض تزويد كل الدول العربية بالتخصيب النووي لأغراض سلمية، أبرزها إنتاج الطاقة الكهربية وغيرها من الاستعمالات، بخاصة في مجال الخدمات والعلوم!.