مـن يفشـل في غــزة هل ينجح في إيران؟

طلال عوكل
مـن يفشـل في غــزة هل ينجح في إيران؟
الكوفية خمسة أشهر بالتمام والكمال مرّت منذ أن دخل دونالد ترامب البيت الأبيض، رافعاً شعاراته ووعوده، التي أغرت الناخبين الأميركيين، بمستقبل أفضل وأكثر قوة.
أراد ترامب أن تستعيد بلاده مجد القوة العظمى الطاغية والأقوى، ولأجل ذلك، استعجل التوقيع على أوامر تنفيذية لرفع الرسوم الجمركية على البضائع المستوردة، من عشرات الدول من دون أن يستثني حليفا، أو شريكا، ثم اضطرّ للتراجع من دون أن يطمئن جمهوره والمستثمرين بأنه يمتلك خطة حقيقية قابلة للتنفيذ نحو شعاره الأثير.
ترتفع معدّلات التضخّم في أميركا، وترتفع الأسعار على المستهلكين، ثم يرضخ أمام الإجراءات المضادّة، فيضطرّ لعقد تسويات وصفقات، لم يحقّق من خلالها ما أراد.
قال ترامب، إنه سيكون رجل السلام في أوكرانيا، وغزّة، لكن الوقت يمرّ دون أن يحقّق شيئاً، بل إنه مساهم وشريك فعّال في تأجيج الصراعات والحروب، وبدلاً من أن تؤدّي رغبته في جني تريليونات الدولارات من الخليج العربي، ويزيل العقابات أمام طموحاته المالية والتطبيعية، وجد نفسه عاجزاً أمام مخطّطات نتنياهو وائتلافه الفاشي.
لم ينجح ترامب في الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين، لا عَبر الضغط العسكري، ولا عَبر المفاوضات، وفشل في وقف الحرب، وضمان تدفّق المساعدات لأهل غزّة، كما أنه يفشل في تهجير أهلها، وتحويلها إلى محمية أميركية.
وفي الداخل، شنّ حملة على نحو ملايين من المهاجرين غير الشرعيين المنخرطين في الحياة الأميركية، فعادت عليه باحتجاجات واسعة وتناقضات داخلية اجتاحت عديد المدن الأميركية.
واعتقد أن بإمكانه أن يُرغم إيران على التسليم بشروطه لتفكيك مشروعها النووي عبر المفاوضات، والعقوبات والتهديد لكنه فشل.
من الواضح أن نتنياهو ينجح مع ترامب الديكتاتور، والزعيم الذي لا يقبل أي معارضة، كما نجح قبل ذلك مع إدارة بايدن، وساق الإدارتين برضاهما، وبالتنسيق معهما، لمجاراته في حروبه المدمّرة.
ومع أن نظرية نتنياهو التي يتمسّك بها، والتي تقضي بأن الضغط العسكري، والتجويع، هما السبيل المضمون للإفراج عن الرهائن، مع أن هذه النظرية أثبتت فشلها الذريع، إلّا أن ترامب يكرّر التجربة، حين ينخرط مع رؤية نتنياهو، بشأن جدوى الضغط العسكري، لإرغام إيران على الإذعان فهل ينجح مع الأخيرة بعد الفشل في غزّة؟
بدا ترامب منتعشاً، بعد الساعات الأولى، التي تعرّضت خلالها إيران لضربات واسعة، استهدفت طيفاً واسعاً من القيادات العسكرية والأمنية ومنصّات الصواريخ، والمضادّات الأرضية وعدداً ليس قليلاً من العلماء الإيرانيين.
غير أن الردود الإيرانية اللاحقة والمتدرّجة، وما تعرّضت له دولة الاحتلال من ضربات مدمّرة، وشعوره بأن استمرار الحرب لن يكون في صالح الدولة العبرية، عاد ليتحدّث عن الحاجة للعودة سريعاً إلى المفاوضات، ولكن بلهجةٍ تنطوي على التهديد.
ترامب هدّد إيران بالالتحاق بالمفاوضات من دون شروط مسبقة، وباستعداد للإذعان، وتزامن ذلك، مع تحرّك واسع للبوارج الحربية، وللطائرات وحاملاتها التي تصل إلى الشرق الأوسط.
ثم رفع سقف التهديدات، حين قال، إنه يعرف مكان المرشد علي خامنئي، وأنه لا ينوي الآن استهدافه ولكن قد يفعل ذلك ما لم ترضخ إيران.
والسؤال هنا: هل يعني كل ذلك أن الولايات المتحدة، تحضّر نفسها للانخراط المباشر في الحرب مع إيران وتحويلها إلى جهنّم كما قال؟
نتنياهو لم ييأس من إمكانية جرّ أميركا إلى المشاركة المباشرة في الحرب، لأنها من يملك القدرة الفعلية على تدمير المنشآت النووية الإيرانية.
دولة الاحتلال لا تملك هذه الإمكانية وكل ما تفعله حتى الآن هو تقشير تلك المنشآت، وإلحاق أضرار محتملة لا تصل إلى حدّ التدمير الشامل لها.
أميركا عملياً منخرطة على نحو مباشر، منذ اليوم الأوّل حيث حصلت دولة الاحتلال منها على الضوء الأخضر، ولم تتوقف شحنات الأسلحة، عدا المساعدات الاستخبارية والتكنولوجية.
الخيارات صعبة بالنسبة لأميركا، وهي بالتأكيد ما كانت ترغب في أن تصل إلى مستوى الانخراط في حرب تنطوي على تداعيات خطيرة، أو أن تترك الدولة العبرية وحدها تواجه مصيراً غير محمود.
فكما أن الأخيرة تحظى بدعم تسليحي ولوجيستي من قبل أميركا، فإن إيران ليست وحدها، والأرجح أنها بدأت تتلقّى المساعدة، من قبل حلفائها ابتداءً من باكستان والصين.
إيران لا تزال صامدة، وتوجّه المزيد من الضربات القاتلة لدولة الاحتلال، وهي بعد لم تستخدم كل ما لديها من إمكانيات، ومشاهدات الميدان تشير إلى أنها استعادت بعض قدرات الدفاع الجوي حتى الآن، وأنها تستنزف قدرات الدفاع الجوي الإسرائيلية التي لم تنجح في حماية قلبها.
إذا دخلت أميركا على خطّ الشراكة المباشرة فإنها ستعرّض قواعدها الأرضية والبحرية للخطر، وهو ما يرفضه 60% من مجتمعها، كما تشير استطلاعات الرأي.
دولة الاحتلال لتأجيج وتوسيع الحرب لجرّ أميركا، تحاول توجيه ضربات إلى موانئ إيرانية على الخليج، فإذا تصاعدت الحرب فإنها ستعرّض مصالح أميركا، وحلفائها العرب، ومشاريعها إلى الخطر.
أميركا تدرك، أن انخراطها في الحرب بينما تقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إنه لا وجود لمؤشّرات على أن البرنامج النووي الإيراني له صبغة عسكرية، فإنها ستفقد شرعية التحرك وستكون سبباً في دائرة الشركاء الإقليميين والدوليين في الحرب.
حتى الآن، لم تتحرك قوى المقاومة، في العراق ولبنان، واليمن، في انتظار ما تسفر عنه الحرب المستعرة، حتى في دولة الاحتلال بدأت تتصاعد التساؤلات حول أهداف الحرب، وأبعادها الخطيرة على الكيان برمّته.
دولة الاحتلال أدخلت نفسها في ورطةٍ غير مضمونة النتائج، واستمرار حروبها العدوانية من شأنه أن يقوّض كل سمعتها، وقدرتها الردعية المتآكلة، وحتى دورها القادم في المنطقة.