كشفت تحقيقات صحافية موسّعة كيف قامت إسرائيل بتطوير خطة سرّية للسيطرة على توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة، متجاوزة المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة، عبر شبكة من الشركات الخاصة التي تديرها شخصيات أمنية وتجارية مرتبطة مباشرة بمكتب رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. ويمثل هذا التحرك خطوة غير مسبوقة في محاولة إسرائيلية للهيمنة على المساعدات الإنسانية في القطاع وفرض واقع جديد بعيدًا عن الرقابة الدولية.
بدأت فكرة هذا المشروع في الأيام الأولى بعد 7 أكتوبر، حيث تأسس منتدى "ميكفيه يسرائيل"، وهو مجموعة غير رسمية تضم ضباط احتياط ومستشارين إستراتيجيين ورجال أعمال. وتهدف هذه المجموعة إلى تطوير رؤية استراتيجية لما بعد الحرب في غزة، مع التركيز على تقويض سيطرة حركة حماس عبر السيطرة على توزيع المساعدات. وتم التوصل إلى فكرة استخدام شركات خاصة لتوزيع المساعدات، بهدف حماية إسرائيل من تحمل المسؤولية المباشرة عن مليوني فلسطيني في القطاع.
وبينما كانت المناقشات تركز على كيفية تقويض تأثير حماس، كان العامل الأساسي هو تأكيد سيطرة إسرائيل على عملية توزيع المساعدات. ومن خلال تجنب التعامل المباشر مع الأمم المتحدة أو أي من الوكالات الإنسانية الدولية، تم الاتفاق على تشكيل آلية موازية تتولى توزيع المساعدات بتنسيق مع الشركات الخاصة التي تتخذ من إسرائيل مقرًا لها.
وقد تخلل هذا المشروع اختيار شركات مثل "Safe Reach Solutions" (SRS)، وهي شركة يقودها ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، فيليب رايلي، دون أي مناقصات رسمية أو إشراف من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، بما في ذلك الجيش أو الشاباك. وتعرضت هذه العملية لانتقادات لاذعة بسبب غياب الشفافية والتفاصيل حول مصادر التمويل.
لم يقتصر الأمر على تشكيل الشركات الخاصة، بل تم تمويل هذا المشروع الضخم بواسطة مصادر غامضة. على الرغم من إعلان أن أحد الممولين هو "دولة أوروبية غربية"، إلا أن التفاصيل الدقيقة حول الجهات التي قدمت الدعم المالي لم تُكشف، مما أثار مزيدًا من الشكوك حول الأهداف الحقيقية وراء المشروع.
هذا النهج الذي يتبعه الاحتلال يثير قلقًا دوليًا من أن يتم استخدام المساعدات الإنسانية كأداة لدفع السكان إلى النزوح من شمال القطاع، حيث تم تحديد مناطق التوزيع الرئيسية في جنوب غزة فقط. ووصف مسؤولون دوليون هذه الخطة بأنها محاولة لإعادة هندسة الحياة المدنية في غزة بما يخدم الأجندة الإسرائيلية بعيدًا عن القوانين والالتزامات الدولية.
ويبدو أن هذا المشروع لا يهدف فقط إلى توفير المساعدات الغذائية والطبية، بل إلى فرض نظام أمني ولوجستي يخضع بالكامل للرقابة الإسرائيلية، مما يعزز المخاوف من تفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع.