قناة الكوفية الفضائية

ترامب في الرياض مجددًا: ملفات ملتهبة وتحديات استراتيجية ...!

13 مايو 2025 - 14:38
د. عبد الرحيم جاموس

تتجه أنظار العالم إلى العاصمة السعودية الرياض، التي تستقبل غدًا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في أول زيارة خارجية له منذ عودته إلى البيت الأبيض، في توقيت مفصلي إقليميًا ودوليًا.
فالزيارة ليست مجرد محطة بروتوكولية، بل تأتي وسط سلسلة من التغيرات الحادة في موازين القوى في الشرق الأوسط، وبعد زلزال السابع من أكتوبر 2023 الذي لا تزال تردّداته تتفاعل على أكثر من صعيد.
السياق العام للزيارة يعيد ترامب من خلال هذه الزيارة التأكيد على أن الخليج – والسعودية تحديدًا – لا يزال محورًا رئيسيًا في الاستراتيجية الأمريكية.
لكنها عودة تجري في ظروف مغايرة، حيث تواجه الولايات المتحدة تحديات متزايدة من روسيا والصين، وضغوطًا داخلية متزايدة، بينما تترنّح استراتيجيتها الشرق أوسطية بين استعادة الردع، والبحث عن شركاء أكثر فاعلية.
الملفات الأساسية على الطاولة:
1. الملف الإيراني: من التراجع إلى الاحتواء على خلاف السنوات السابقة، لم يعد النفوذ الإيراني في صعود مطلق، فبعد السابع من أكتوبر، تراجعت قدرة إيران على التأثير المباشر في كل من سوريا ولبنان، نتيجة ضربات إسرائيلية مركزة، وأزمات اقتصادية وسياسية في الحلفاء المحليين، من حزب الله إلى النظام السوري، بل وحتى في فلسطين، تزايدت علامات الاستقلالية لدى فصائل المقاومة، التي باتت تتحرك وفق أجندة ميدانية لا تُملى من طهران.
لكن رغم هذا التراجع النسبي، يبقى الملف الإيراني أولوية، خصوصًا فيما يخص البرنامج النووي، والمخاوف من تحوّل إيران إلى دولة على عتبة نووية.
ويتوقع أن تبحث الرياض مع واشنطن استراتيجية احتواء جديدة لا تعتمد فقط على العقوبات، بل على بناء نظام ردع إقليمي متكامل.
2. التطبيع في ظل نزف الدم الفلسطيني .....!
الولايات المتحدة تدفع مجددًا نحو توسيع دائرة التطبيع العربي مع "إسرائيل"، وهي ورقة طالما راهن عليها ترامب في دورته السابقة.
إلا أن المجازر الإسرائيلية في غزة منذ أكتوبر 2023، ومواقف الرأي العام العربي والإسلامي، جعلت من التطبيع ملفًا شديد الحساسية، وقلّصت من قابلية السعودية أو غيرها للتعاطي معه بمعزل عن حل عادل للقضية الفلسطينية.
3. غزة: ما بعد الكارثة...!
غزة، بعد أشهر من القصف والتجويع والحصار، تحوّلت إلى بؤرة ضمير عالمي ملتهب.
من المتوقع أن تدفع السعودية ودول عربية أخرى باتجاه طرح خطة عربية لإعادة الإعمار، وربما ربط هذا المسار بمسار سياسي يفرض وقفًا دائمًا للعدوان ويعيد الاعتبار للشرعية الدولية وحقوق الشعب الفلسطيني.
وستُختبر واشنطن – عبر ترامب – في مدى استعدادها لتقديم غطاء دولي لهذا التحول.
4. الاقتصاد والطاقة: أولوية أمريكية .... مع عودة التوتر في سوق الطاقة العالمية، وزيادة أسعار النفط، تحرص إدارة ترامب على تنسيق وثيق مع السعودية، ليس فقط لضمان استقرار الأسواق، بل أيضًا لكبح تأثيرات ذلك على الاقتصاد الأمريكي، الذي يواجه تحديات تضخم مزمنة.
التحديات أمام ترامب:
عودة ترامب إلى المنطقة تأتي في ظل بيئة مشكّكة، حيث تتذكر العواصم العربية جيدًا سياساته السابقة:
من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، إلى خطة "صفقة القرن"، وما رافقها من انحياز فجّ. كما أنه لا يأتي بيدٍ مطلقة، فالمؤسسات الأمريكية ما تزال منقسمة، ومجمل السياسة الخارجية الأمريكية تمرّ بحالة إعادة تموضع.
التوقعات المحتملة:
نجاح جزئي في إعادة تمتين التحالف مع الخليج، عبر ضمانات أمنية وبيانات مشتركة.
تفاهمات أولية حول إعادة إعمار غزة، دون التزام سياسي واضح بحل الدولتين.
تأجيل ملف التطبيع الكامل، أو ربطه بمبادرات "سلام اقتصادي" محدودة ومشروطة.
تعهدات أمريكية جديدة بشأن احتواء إيران، ولكن من دون صيغة مواجهة مباشرة أو تغيير قواعد الاشتباك.
نخلص إلى أن الزيارة تمثل لحظة مفصلية في مستقبل التحالفات الامريكية العربية، ما يؤكد أن الزيارة تمثل اختبار سياسي بامتياز. فالسعودية والخليج لم يعودوا كما كانوا في 2017، وواشنطن كذلك.
ملفات ملتهبة، من غزة إلى إيران، ومن التطبيع إلى الطاقة، تضع الجميع أمام مسؤولية إعادة تعريف العلاقات لا مجرد ترميمها.
ويبقى أن تراهن المنطقة، لا على الوعود، بل على المواقف الصلبة التي تحمي المصالح العربية وتعيد الاعتبار لقضاياها العادلة، وفي مقدمتها قضية فلسطين التي عادت إلى مركز المشهد العربي والدولي بدماء غزة وصمودها.

Link: https://mail.alkofiya.info/post/269986