قناة الكوفية الفضائية

"مزاجية ترامب السياسية" في "ولادة" الكيانية الغزية

08 مايو 2025 - 14:10
حسن عصفور

بعد أيام من دخوله البيت الأبيض يناير 2025، أعلن الرئيس الأمريكي ما يمكن اعتباره "أم المفاجآت الغبية"، عندما طالب بتهجير غالبية سكان قطاع غزة، إلى دول منها عربية.

ولعل البعض تعامل معها، كجزء من تصريحات اعتاد اطلاقها كجلب الاهتمام السياسي، أي كانت النتائج، ولكن في فبراير 2025 عند استقباله رئيس حكومة الفاشية اليهودية نتنياهو في واشنطن، كرر تلك "السذاجات السياسية" بطريقة استخفافيه ليس لأهل قطاع غزة بل لدول عربية مركزية.

وخلال أسابيع غابت فكرة السيطرة الترامبية على قطاع غزة، بل حاول أن يبدو وكأنه تراجع عما أصابه "هوسا" نحوها، وفجأة وقبل أيام من وصوله في أحد أهم "رحلات الاستثمار المالي – السياسي" للمنطقة العربية، يوم 13 مايو 2025، أعلنت وكالة رويترز حصريا، ونقلا عن 5 مصادر لها (لم تخرج جهة تنفيها)، أن أميركا تدرس مع حكومة دولة الكيان الاحتلال تعيين حاكم عسكري أمريكي لقطاع غزة.

تصور يقوم على تشكيل إدارة عسكرية أمريكية تستعين بشخصيات محلية، تتولى قيادة قطاع غزة إلى حين تحقيق "اهداف حكومة نتنياهو" المركزية، وخاصة تطهير القطاع من آثار السلاح وتفتح باب الهجرة واسعا، دون أي وجود للسلطة الفلسطينية، وبالطبع لن تكون حماس.

جوهر الخطة الأمريكية لاحتلال قطاع غزة، تختلف جوهريا عما حدث بعد احتلال العراق وتشكيل إدارة "بريمر"، كونها كانت إدارة مركزية، وليس إدارة منفصلة عن الكيان العراقي، والاختلاف هنا، يكشف جوهر الرؤية الأمريكية المستقبلية، بالعمل على تأسيس "كيانية غزية مستقلة"، بالتوازي مع تسارع عمليات الضم والتهويد في الضفة والقدس.

"المشروع الأمريكي" لاحتلال قطاع غزة، هو الجوهر السياسي لمفهوم "الكيان الخاص" لفلسطين، مع تصاعد التيار التلمودي في الولايات المتحدة، وترسيخا لمبدأ لا كيان فلسطيني في الضفة والقدس، كونها أرض لليهود منذ آلاف السنين، مع البدء في قوننة الموقف بإجراءات ملموسة، تخدم هدف منع وجود دولة فلسطينية.

المشروع الأمريكي الجديد، لإقامة "كيان غزة الخاص"، انطلق عمليا منذ يناير 2025، بدأ يتبلور على وقع تطور العمليات العسكرية لجيش الاحتلال، بعدما ألغى صفقة الدوحة التي وقعت يوم 19 يناير 2025، يوم 19 مارس 2025، مع تنامي حركة الحصار الشامل، بما فيه منع دخول المساعدات الإنسانية، لم تقم أمريكا بخطوة واحدة لمنع حرب التجويع، بل دعمتها من خلال صياغة رؤية مشتركة لبناء "خطة أمنية" للمساعدات رفضتها كل المؤسسات الأممية.

توقيت إعلان الخطة الأمريكية لاحتلال قطاع غزة وإقامة "إدارة ذاتية خاصة" بمعزل كامل عن الرسمية الفلسطينية، جاء بعد فرض حصار مطلق ونشر الجوع بحيث أصبح الحديث عن وقف الجوع يتقدم عن وقف الحرب، كي تصبح وكأنها "الحل الممكن"، بل و"الخيار الممكن"، ما يكشف بوضوح مطلق إن إدارة الحرب على قطاع غزة تدار بين البيت الأبيض وتل أبيب.

ولعب دورا مركزيا في صياغة "الكيانية الغزية المنفصلة" غياب جهة العمل الموحد في الضفة والقدس دعما لأهل القطاع، فغابت كليا أي مظاهر كفاحية كما كان في زمن الوحدة المترابطة بين مكونات الأرض المحتلة، ما عزز "البعد الانفصالي الذهني والثوري".

المعضلة السياسية الكبرى، التي بدأت تتسلل إلى المشهد الفلسطيني، إن مقاومة المخطط الاحلالي الجديد في قطاع غزة فقدت عوامله المركزية، فلا الرسمية الفلسطينية لديها علاقة بخطة مواجهة بديلة، ليس في القطاع فحسب، بل في الضفة والقدس التي تصادر أمام بصرها، وحركة حماس باتت أداة استخدامية لاستمرار الحرب التدميرية، وتستغل بمواقفها الحزبية، كعامل مساعد لخدمة الهدف الاستعماري المشترك.

الأكثر صعوبة، أن الواقع الرسمي العربي لم يعد بذي صلة للصدام أو التصادم مع أمريكا، بل مع دولة الكيان من أجل فلسطين، ويستخدمون ذرائع المشهد الذاتي الانقسامي الفلسطيني نفق هروب، لكن الحقيقة السياسية أن فلسطين فقدت كل قيمة لديهم.

ربما راهن البعض، أن العربية السعودية وبحكم اهتمامها بلعب دور إقليمي مركزي، يمكنها أن تضع القضية الفلسطينية كمسار مقابل التطبيع، لكن الأمر تجاوز كثيرا حدود التفكير الذي كان قبل مؤامرة 2023، وصعود التوراتية اليهودية في أمريكا ودولة الكيان، رهان قد لا يكون في مكانه أو زمنه السياسي، خاصة وأن الرياض لم تذهب لعقد "لقاء عربي مصغر" لرسم رؤية مشتركة لنقاشها مع ترامب، مرفقة بآلية عملية لفرض "حل ممكن".

هل باتت خطة "إقامة كيانية غزية مستقلة" تحت حكم عسكري أمريكي قدر سياسي..بالتأكيد لا...لو فعلا تذكرت الرسمية الفلسطينية أنها أمام موقف تاريخي، المواجهة بكل أركان المواجهة، أو أنها ترفع راية الاستسلام، وتترك أهل فلسطين يبحثون عما يرونه ممكنا، ولن يكون أشد سوادا مما كان..

الحل يبدأ من فلسطين وليس غيرها..وكل من يروج غير ذلك يساهم في تمرير الخطة الأمريكية الجديدة..فلسطين تنتظر أداتها الانقاذية، التي قد تطول، ولكنها الضرورة المطلقة لمنع "إذابة" كل ما كان.

Link: https://mail.alkofiya.info/post/269240