ما لم يغادر الرئيس الأميركي دونالد ترامب سياسته الاستعلائية بحق شعوب الأرض، فإن العالم كله مقبل على اضطراب كبير يستمر لسنوات قادمة، وقد ترتد على الولايات المتحدة، التي يريدها ترامب في موقع المتفوق عالمياً.
الشرق الأوسط يعيش منذ 7/10/2023 هذا الاضطراب المتدحرج والذي يهدد استقرار المنطقة بأسرها، وربما جوارها القريب والبعيد نحو الشرق الأقصى.
يتوهم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وتحالفه الأيديولوجي المتطرّف، أنه نجح في رسم صورة نصر من مخيلته، بعد أن حقق جيشه بعض الإنجازات التكتيكية في «دول الطوق» لبنان، سورية، وبما يستمر في فعله من دون روادع في قطاع غزة والضفة الغربية.
لن يكون نتنياهو بن غوريون الثاني، والمتفوق على سلفه الذي نجح في تأسيس الدولة العبرية عام 1948، بل ربما يسجل عليه التاريخ المعاصر أنه المسؤول عن وأد المشروع الصهيوني، وتوسع دائرة المشاعر المعادية لليهود في مختلف أصقاع الأرض.
يستطيع نتنياهو وتحالفه وجيشه المستنزف والمرهق مواصلة حرب الإبادة والتجويع، والتدمير للقطاع المحاصر، طالما يغيب عن الفعل الوزن العربي والإسلامي، وطالما أنه على توافق تام مع ترامب الذي يملك وحده مفاتيح العقد والحل، والذي يحلم هو الآخر بأن يحوّل القطاع إلى «ريفيرا» الشرق الأوسط.
أكثر من 600 يوم، على تجييش دولة الاحتلال كل طاقاتها الاستخبارية والأمنية والعسكرية، والاقتصادية، والاجتماعية، وتلقي جسور جوية وبحرية محمّلة بكل أنواع القذائف، وأدوات القتل من الولايات المتحدة، لكنه يفشل.
يفشل نتنياهو في تحقيق أهدافه المعلنة سواء ما يتعلق بتحرير أسراه وقتلاه عبر الضغط العسكري، أو القضاء على حركة المقاومة حكماً مدنياً، وبنية عسكرية.
ومن الواضح أنه يستطيع أن يصمد في مواجهة الضغوط الدولية والداخلية التي تطالب بوقف الحرب العدوانية، ووقف حرب التجويع والإبادة، ومنع وصول المساعدات، ويستطيع المماطلة أكثر في مفاوضات، كلما اقتربت من تحقيق شيء، أخرج من جيبه شروطاً جديدة تعيد الأوضاع إلى بداياتها.
مع تواصل المفاوضات الأميركية الإيرانية، التي يفضل ترامب من خلالها تحقيق أهدافه المشتركة مع نتنياهو، وبعد خمس جولات، يصرّ ترامب على مبدأ رفض تخصيب اليورانيوم كحق لإيران، الورقة الأخيرة التي قدمها ستيف ويتكوف، قوبلت برفض إيراني، حيث قال المرشد الإيراني علي خامنئي إنها تتناقض بنسبة 100% مع مصلحة بلاده.
دولة الاحتلال تهدد وتتوعّد، وتتحضّر لتوجيه ضربات للبنية التحتية للبرنامج النووي الإيراني، ولكنها مضطرّة لأن تنصاع للموقف الأميركي، الذي يريد استنزاف الطرق الدبلوماسية.
دولة الاحتلال تملك قدرة هائلة على إلحاق أذى كبير بإيران سواء ما يتعلق بمشروعها النووي، أو منشآتها العسكرية، أو الاقتصادية، لكنها لا تستطيع تحمّل تبعات ذلك على المنطقة، هذا في حال غياب دور الشريك الأميركي.
إن احتمال وقوع الانفجار الكبير في المنطقة مرتبط فقط بالزمن، ذلك أن مؤشرات التفاوض، لا تعطي أملاً في التوصل إلى اتفاق، وحتى لو أمكن التوصل إلى اتفاق ما، أو مساومة، على حلّ وسط، يمنح إيران فرصة استمرار التخصيب بأية نسبة ولاية مدة، فإن نتنياهو يجد في ذلك تهديداً إستراتيجياً، وجودياً لكيانه، لا يمكن السكوت عليه أو التسامح معه.
الانفجار إن وقع، سواء بجهد إسرائيلي منفرد أو بجهد مشترك مع أميركا، من شأنه أن يحدث زلزالاً في المنطقة التي تنتشر فيها القواعد الأميركية بكثافة، وينتشر في محيطها المائي حشد كبير وخطر من السفن الحربية وحاملات الطائرات.
دول الخليج، سورية، العراق، الأردن، حيث تتواجد فيها قواعد عسكرية أميركية ستكون في قلب النار، ما لم تنأَ بنفسها عن السماح للقواعد الأميركية، بأن تكون في حقل الاستخدام الأميركي.
لا نتحدث عن أبعاد مثل هذا الانفجار على حلفاء إيران الدوليين من الصين إلى روسيا، وكوريا الشمالية، فضلاً عن حلفائها في المنطقة إلى أن تتضح مخرجات المفاوضات الأميركية الإيرانية، فإن ثمة تطوّرات مرتقبة في محيط فلسطين المحتلّة.
أشهرٌ مرّت على اتفاق وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية، التزم خلالها «حزب الله» اللبناني، بالمعادلة التي فرضتها الحكومة اللبنانية، التي تواصل عبثاً، محاولاتها الدبلوماسية والسياسية لإلزام دولة الاحتلال بالتوقف عن ممارسة العدوان على لبنان، وسحب جيش الغزو من المواقع الخمسة التي استقرّ فيها.
يبدو أن الحكومة اللبنانية قاب قوسين أو أدنى من أن تصل إلى حدّ اليأس، من إمكانية تنفيذ الوعود الاقتصادية والعسكرية التي تعهّدت بها الإدارة الأميركية وبعض الدول العربية.
«حزب الله» الذي لا يزال يتعرض للهجمات العدوانية التي تتجاوز حدود الليطاني ووصلت إلى الضاحية الجنوبية، لم يفقد قدراته، وإن كان خسر بعضها والأرجح أنه أعاد تنظيم صفوفه، وسدّ الثغرات، وانه بات أقرب إلى أن يرفع الكرت الأحمر في وجه الحكومة التي تعجز عن حماية البلاد والعباد، وفي الجوار، حيث لا يتوقف النظام السوري الجديد عن تأكيد رغبته في تجنّب أية مواجهات مع المحيط، والمقصود دولة الاحتلال التي تواصل احتلالها وقصفها دون رد، ثمّة من يتأهب للتمرد على هذه السياسة.
خلال اليومين السابقين، أطلقت مجموعة جديدة باسم «كتائب الشهيد محمد الضيف» قذيفتين على الجولان السوري المحتل، وتعهّدت بالمواصلة. هذا مؤشّر على احتمال خلط الأوراق الداخلية، وإرباك المشهد، بما قد يسمح بظهور كتائب أخرى، بمسمّيات قديمة أو جديدة، تفعّل دورها في مقاومة دولة الاحتلال.
«جماعة أنصار الله» «الحوثيين» اليمنية مستمرون، ما يعني أن الحرب إن توقّفت مؤقّتاً على القطاع، فإن نتنياهو سيجد ضالّته للاستمرار فيها، عَبر جبهات أخرى، إلى أن ينضج الأمر بالنسبة لإيران.