اليوم الخميس 24 إبريل 2025م
شهيدان وإصابات في قصف الاحتلال خيمة شمال قطاع غزةالكوفية 18 شهيدا في مجزرة إسرائيلية بقصف منزل شمال غزةالكوفية مستوطنون يهاجمون ممتلكات فلسطينية في سلفيت ويغلون طريقا بالأغوارالكوفية الاحتلال يقتحم كفل حارس شمال غرب سلفيتالكوفية رئيس الموساد في قطر لبحث صفقة الأسرىالكوفية الاحتلال يطلق النار على شاب قرب دوار كفر صور جنوب طولكرمالكوفية 4 شهداء في قصف للاحتلال على مدينة غزةالكوفية قوات الاحتلال تقتحم نحالين غرب بيت لحمالكوفية الخارجية الأردنية: وقف المساعدات على قطاع غزة أدى إلى كارثة إنسانيةالكوفية «الشرقية» تجهّز «يد الأخضر» لكأس العرب في الكويتالكوفية إيدي هاو يعود لتدريبات نيوكاسل بعد تعافيه من التهاب رئويالكوفية قاض أمريكي يمدد قرار حظر ترحيل الناشط الفلسطيني محسن المهداويالكوفية مراسلنا: انتشال جثامين 5 شهداء بعد غارة إسرائيلية على شارع النخيل بحي التفاح شرقي مدنية غزةالكوفية مراسلنا: غارة من طائرة مسيرة إسرائيلية على مخيم البريج وسط قطاع غزةالكوفية 14 شهيداً في قصف مركز شرطة جباليا البلد ومنزلاً بحي الزيتون بمدينة غزةالكوفية الاحتلال يقتحم قرية النبي صالح شمال غرب رام اللهالكوفية مصرع مواطنة بحادث سير في الخليلالكوفية الاحتلال يستولي على شاحنة في الأغوار الشماليةالكوفية المجلس المركزي يواصل أعماله لليوم الثانيالكوفية 50 شهيدا و152 إصابة خلال الـ24 ساعة الأخيرة في قطاع غزةالكوفية

ما لا تستطيع الإبادة محوه

14:14 - 06 إبريل - 2025
ديمتري دلياني
الكوفية:

لم يكن التطهير العرقي الذي يتعرض له شعبنا الفلسطيني طارئًا عابرًا في مسار المشروع الصهيوني، بل هو البنية التحتية الصلبة لهذا المشروع الاستعماري الإحلالي، الذي تأسّس منذ بداياته على إلغاء الآخر. فمنذ أن تبلور الوعي السياسي للحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر، لم تُدرك فلسطين باعتبارها وطنًا حيًّا لشعب متجذر، بل خُيّلت كمساحة شاغرة، قابلة لإعادة التشكيل وفق مقاسات الوهم الاستيطاني. 

في هذا التصوّر، لم يكن "قيام الدولة اليهودية" نتاج تفاعل مع الواقع القائم، بل مشروطًا باجتثاث الوجود الفلسطيني من الجغرافيا ومن الذاكرة معًا. هكذا تحوّل الإنكار إلى استراتيجية، وتحوّل الفلسطيني في هذا الوعي إلى تهديد دائم لا يُحتمل بقاؤه، لا لسبب سوى أنه يُمثّل حقيقةً تناقض جوهر المشروع برمّته.

إن العقيدة الصهيونية، باعتبارها مشروعًا إحلاليًا متكامل الأركان، تبنّت فكرة التطهير العرقي كخيار استراتيجي لضمان التفوّق الديمغرافي والسيطرة السياسية الشاملة. فقد شكّلت سياسات التهجير جزءًا أصيلًا من رؤيتها التنفيذية منذ بداياتها، كما يظهر جليًّا في تصريحات هرتزل حول "تبخير الفقراء"، وفي مراسلات بن غوريون، وفي أعمال لجنة الترانسفير وخطة دالت. ويكشف تتبّع هذه الوثائق أن النكبة كانت امتدادًا طبيعيًا لتصوّرٍ تمّت صياغته وتطويره عبر مراحل زمنية متعاقبة، وفق منطق سياسي واضح يسعى إلى إعادة تشكيل المشهد السكاني والجغرافي في فلسطين بما يخدم أهداف المشروع الصهيوني

في هذا السياق، شكّلت غزة بتركيبتها الديمغرافية وتراثها النضالي، عقدة بنيوية في الوعي الصهيوني، وجغرافيا مستعصية على الإخضاع الكامل. لذلك، فإن ما نشهده اليوم من حرب إبادة وتفتيتٍ للقطاع وتحويله إلى أحزمة عسكرية ومحاور فصل، هو خطوة جديدة نحو تحويل غزة إلى معسكرات احتجاز بشرية، تُدار بالحديد والنار، وتُعزل عن محيطها وعن ذاتها.

الحديث الإسرائيلي المتصاعد عن "الهجرة الطوعية"، بدعم أميركي، هو محاولة بائسة لإلباس جريمة التطهير العرقي قناع الإنسانية الزائفة. فحين تُجعل الحياة مستحيلة، يُصبح الفرار خيارًا قسريًا مُقنَّعًا بـ"الحرية". لم تعد خطة التطهير العرقي قائمة على الجرافات وحدها، بل على خلق واقع يومي لا يُحتمل: قصف لا يتوقف، تجويع مُتعمّد، تدمير للمشافي والمدارس، ونظام عقاب جماعي يُحوّل الحياة ذاتها إلى مقاومة صامتة للموت.

وفي ظل هذا المشهد، تتكشّف وحدة الرؤية بين الاستعمار الصهيوني وبين المنظومة الغربية التي أنتجته واحتضنته، ليس من منطلق دعم سياسي فحسب، بل عبر مشاركة فعلية في هندسة الخرائط والقرارات. إن تحويل غزة إلى "ريفييرا" خالية من سكانها، وفق رؤية ترامب، ليس إلا امتدادًا لفكرة استعمارية ترى في الفلسطيني عقبة أمام مشروع حضاري مزيّف، مشروع لا مكان فيه للهوية، ولا للحق، ولا لذاكرة الضحايا.

لكن ما يغيب عن إدراك من يدير هذا المشروع الإحلالي هو أن الفلسطيني الذي هُجّر عام 1948 وُلد من جديد في مخيمات اللجوء، حيث أعاد بناء هويته الوطنية وواصل تمسكه بحقه وذاكرته وتطلعه للعودة. والفلسطيني الذي يُنتزع اليوم من أرضه، يبقى مشدودًا إلى تاريخه، منتميًا إلى سرديته، ورافضًا محو وجوده. إن النضال الوطني الفلسطيني، في أبعاده السياسية والإنسانية، يتجلى كمسار تراكمي نابع من وعي جماعي عميق، يواجه بنية استعمارية تقوم على الإقصاء والسيطرة. وهو بهذا المعنى، ليس مجرّد رد فعل، بل فعل تاريخي ممتد، يُعيد إنتاج نفسه مع كل محاولة اقتلاع، ويُؤسس لاستمرار الكفاح جيلاً بعد جيل.

إن المشروع الذي يقوم على نفي وجود الآخر لا يصنع كياناً قابلاً للحياة، بل يوقظ المقاومة كضرورة تاريخية وأخلاقية في وجه الإلغاء. وإن كانت آلة الإبادة والتطهير العرقي قد تفلح في هدم البيوت ومحو العائلات من السجلات المدنية، إلا أنها تعجز عن قتل الوعي الجمعي لمن نجا، وعن دفن الذاكرة الوطنية في ركام المدن. فالفلسطيني الذي لم يُقتل، يحمل في نجاته بذور الاستمرار، وفي ذاكرته حكاية لا تُنسى، وفي وجوده شهادة على أن المشروع الصهيوني، مهما امتلك من أدوات القمع، لا يملك القدرة على اجتثاث الحقيقة أو إخماد صوت الهوية.

كن أول من يعلق
تعليق جديد
البريد الالكتروني لا يظهر بالتعليق