فأس الوصاية يقع في الرأس
نشر بتاريخ: 2025/11/17 (آخر تحديث: 2025/11/17 الساعة: 19:28)

في منتصف الليل (الساعة الثانية عشر) سيصوّت مجلس الأمن على مشروع القرار الأميركي حول وقف إطلاق النار في غزة والنقاط العشرين التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

حتى موعد التصويت، بمقدور عباس وحماس، أن يدققوا في مسودة القرار الأمريكي قبل اعتماده، لكي يعرف كل منهما أنه تحوّل على مستوى السياستين الإقليمية والدولية إلى "مُقشَّر بصل" إذ لا وجود له في المقترح كله، أما الجسم الفلسطيني، شعباً وقضية وأرضاً محتله، فسيكون له بضع عبارات غامضة تذكرنا بمقولة بوش سنة 1991 في لحظة شن الحرب على العراق بذريعة تحرير الكويت، عندما تعمّد تجميل المسعى الأمريكي الإمبريالي، فأطلق الوعد الكاذب عن تسوية للقضية الفلسطينية على قاعدة "الأرض مقابل السلام". ويومها لم يكلف نفسه التعريف بالأرض التي يقصدها أو السلام الذي يعنيه!

عباس وحماس، كل منهما، سيتأكد الليلة بأن "على نفسها جنت بُراقش" ليس بالتفرد وحده، سلماً وقتالاً، وإنما بالظنون المديدة لدى كل منهما، بأنه الأذكى والأقوى والألمعي والأجدر بحمل المسؤولية وحده، وصاحب الحق في تحييد الناس وحرمانها قوقها السياسية، وعندما أصر على استمرار الانقسام والتهاجي ردحاً، ورفض التلاقي مع الطرف الآخر، حتى يرضى بالرضوخ بعد خمسين سنة!

كلٌ منهما لم يكف عن تنجير الخوازيق لنفسه وللمجتمع الفلسطيني وللحقوق السياسية للشعب الذي يدفع الثمن، ولم يكف عن الإساءة للحركة الوطنية بالمعنى التاريخي ولمستقبل الأجيال وللثقافة والرواية التاريخية.

أيضاً سيتأكد عباس وحماس، كلٌ منهما، لأن مرجعياته وما يتكيء عليها من الدول، قد "حلقت له على الزيرو" ليستفيق على ندم عميق، على إضاعة فرصة الحكم الراشد، الذي يكون فيه أوجب وأجدى، تصليب التلاحم الوطني وتعلية شأن القواسم المشتركة. فلو حدث ذلك لما كانت سلطة عباس (حامل أختام الكيانية الرسمية الشرعية ومخبئّها في مؤخرة المنسق الأمني) قد وصلت إلى هذا اليوم الذي يقال لها فيه أنت فاسدة وضعيفة ولن يأسف أحد عليكِ. أما الأنفار العشرة، الذين كانوا يتسربون من ورائك لكي يتظاهروا في دوار المنارة دعماً لغزة؛ لن يتظاهروا للدفاع عن دورك وعن شرعيتك. فالآخرون يطالبون بإصلاح لا نعم كل تفصيلاته. كل ما نعلمه أن ما كانوا ينصحون، عوملوا كالمعارضين والأعداء، حتى أصبح الإصلاح نفسه قصته طويله ذات شروط قاسية وحكاية كاريكاتيرية.

اليوم لن ينفع عباس هباش ولا نباش ولا متحرش، ولا فريق أول، ولا قائد بحجم وطن، ولا حكواتي يروي لنا قصة "أم الولد"!

أما حماس فليس أمامها سوى أن تصرخ دون أن تتلعثم بشيء من السفاهات التي أطلقتها على الزعيم الباسل ياسر عرفات وعلى حركة فتح، وبشيء من العبارات التي ثقفت بها الناشئة، وأن تردها الى مرجعياتها التركية والقطرية والإخوانية. فها هو السند الإقليمي، السلطاني والأميري ومعه سائر الربانيين، يطاوع ترامب، وهم يعرفون أن ترامب لا يطاوع سوى الصهيونية التي شنت علينا حرب الإبادة!

لا طرف فلسطينياً ذا حيثيات، سيجد نفسه في المقترح الأمريكي. وبحكم أن المقترح في جوهره مشروع أمني لصالح إسرائيل؛ يرتسم فشل محمود عباس في التأهل حتى على مستوى المشروالذي نذر نفسه له. فهو الذي بلغ من "الذكاء" والاقتدار والهمة العالية، أن أبرم اتفاقات أمنية مع 84 دولة (ضد من ولماذا؟) وهو الذي كان يكذب ويقول إنه فتش حقائب اطفالنا في المدارس لــ "تشليحهم" السكاكين، دون أن يتورع عن الإساءة للطفل الفلسطيني وللمدرسة الفلسطينية وللأسرة وللمعلم، لكي يرضى عنه المحتلون، وهو الذي قال لمذيعة التلفزة الإسرائيلية إنه يعطي للأمن الأسرائيلي المعلومة التي لا يحلم بالوصول اليها (وكعادته عندما يتقياً بالجملة يتبعها بابتسامة سريعة تدل على إعجابه بنفسه!)

ليفتش عباس ولتفتش حماس في المقترح الأمريكي، فإن وجد أيٌ منهما لنفسه موضعاً فهنيئاً له، وإن وجد له نصيراً في الإقليم سيكون حاضراً وناشطاً، فليدلنا عليه لكي نساند. فنحن الآن نواجه عملية وصاية أجنبية على جزء من بلدنا، وحتى إن تعثر الأوصياء واحتاجوا إلى مشورة، فلن يستشيروا عباس ولا حماس.

(لا تناقض بين هذه السطور، واعتزازنا بالمقاومين جميعاً، وبشرفاء حركة فتح وسائر الوطنيين)