بشكل مفاجئ واجهت جنوب أفريقيا أزمة من نوع فريد، بوصول ما يقارب 153 فلسطيني من قطاع غزة دون ترتيبات مسبقة، وبعد اتصالات متعددة، تم السماح بدخول 130 فلسطينيا وصلوا إلى مطار أو. آر. تامبو الدولي يوم الأربعاء قادمين من كينيا، بعد رفض دخولهم في البداية لعدم استيفائهم شروط الهجرة.
أزمة مطار جنوب أفريقيا، فتحت نقاش عام حول كيفية خروج هذا الرقم من قطاع غزة إلى مطار داخل دولة الاحتلال (رامون)، والجهة المنظمة التي أدارت تلك العملية في ظل وضع ميداني غاية التعقيد، ولم تتأخر كثيرا لمعرفة أنها شركة تسمى "المجد" كل المؤشرات أنها جزء من جهاز الشاباك الإسرائيلي، ومديرها توما يانار ليند – وهو يحمل الجنسية الإسرائيلية والإستونية، أقامت أشكال متعددة من التواصل مع أهل قطاع غزة.
دون البحث في تفاصيل المؤسسة، فالهدف المركزي من وجودها، تسهيل عمليات التهجير الناعم بكل السبل الممكن إلى دول متعددة، ما بين موافقات مسبقة وفرض أمر واقع، كما حدث مع جنوب أفريقيا، انطلاقا من "مبدأ إنساني" في ظل حرب الإبادة الجماعية.
خطة التهجير (ترانسفير) لأهل قطاع غزة، تمثل المسألة الرئيسية من بين أهداف حرب الإبادة وخطة ترامب، وهو ما كشفه مشروع "غزة الجديدة" الذي نشرته شركة جاريد كوشنير فبراير 2024، ما يتطلب بقاء نصف سكان القطاع فقط، فيما يتم "تسفير" الآخرين إلى مناطق متعددة.
تهجير أهل قطاع غزة يعتبر العنوان الأساسي للخطة الأمريكية، بعيدا عن كل الهذيان السياسي الذي يتم الحديث عنه، من قبل البعض الفلسطيني وكذا العربي، بعدما فرضت دولة الاحتلال واقعا غير إنساني، لن يكون التعايش معه الخيار الممكن، خاصة وأن إعمار قطاع غزة رهن بقرار أمريكا قبل غيرها.
ولكن، الأهم الذي لا يجب أن يغيب وسط أزمة التهجير الغريب، كيف يمكن لمئات من أبناء قطاع غزة التجمع وركوب باصات والتحرك نحو داخل الكيان إلى مطار رامون، دون أن يجدوا أي مساءلة من قبل الجهاز الأمني للحركة المتأسلمة (حماس)، وهو الذي يطارد كل مواطن غزي ليس على هواهم، وفرض ضرائب بشكل "خاوات"، والاستعراضات بإعدام عشرات، واعتقال آخرين.
كيف يمكن لفلسطيني أن يرى خروج مئات من أهل قطاع غزة دون علم مسبق لجهاز أمن المتأسلمة، وتواطؤ صريح، أي كانت محاولة تزوير المشهد، فواقع القطاع لا يسمح بهروب مثل هذا الرقم، واستخدام وسائط نقل تتحرك بعلانية نحو الخط الفاصل شرقا.
وهنا، السؤال، هل دخلت حركة حماس شريكا في اليوم التالي بتسهيل عمليات التهجير الناعم من قطاع غزة مقابل ترتيبات خاصة، قدمها الوفد الأمريكي لقيادتها في العاصمة القطرية، ترتبط بالحماية اللاحقة لها، وعدم المساس بمصالحها المالية – الاستثمارية، أم هناك صفقة خاصة ترتبط بما يمكن أن يكون في مرحلة تنفيذ خطة ترامب.
مسألة التهجير الناعم لا يمكن لها أن تمر مرورا عابرا، بالهروب نحو التركيز عل الأداة الأمنية لدولة العدو، وتجاهل الطرف المحلي الشريك الأساسي في تلك المؤامرة، دون التوقف أمام بيانات الكذب "المقاوم"، فتلك لا قيمة لها أمام حقائق تتضح معالمها بشراكة غير معلنة ولمصالح غير وطنية.
فتح ملف التهجير الناعم مسألة وطنية بامتياز، لا تقتصر على مؤسسة "المجد" الشاباكية بل يجب أن تطال "المجد" الحمساوية وقبل فوات الآوان.