بـدايـــة إنـهـــاء الـحـــرب
نشر بتاريخ: 2025/11/15 (آخر تحديث: 2025/11/15 الساعة: 21:58)

إرادة الاحتلال بإنهاء الحرب، وفتح صفحة للسلام، مشكوك فيها، ويبدو أن حلفاءه غير جادين ليس في إنهائها فقط، بل في حل القضية الفلسطينية حلا عادلا بإقامة الدولة الحقيقية للشعب الأصلاني. لو أن هناك إجماعا دوليا للحل، في ظل إجماع فلسطيني على التسوية من خلال حلّ الدولتين، لفرضت دول العالم المؤثرة أمورا.

الحل سياسي، والخيار عملي واستراتيجي؛ فلماذا تتمادى سلطات الاحتلال؟ ولماذا ترتخي مواقف الدول الشاهدة على اتفاق وقف الحرب؟

تأخير الاحتلال لتطبيق الاتفاق، يعني مقايضة إعمار غزة مقابل خراب آخر يصيب الشعب الفلسطيني، أكان الخراب يعني السطو على الوحدة القانونية للضفة الغربية وقطاع غزة، أو تفريغ الاعتراف الدولي بدولة فلسطين من مضمونه، وعليه، فقد عمدت مؤخرا، إلى التعامل مع ميليشيات مسلحة خارجة عن الإجماع الفلسطيني.

في هذا الشأن، فهل سيكون مؤتمر القاهرة الدولي للتعافي المبكر وإعادة الإعمار والتنمية في غزة، في سياق إنهاء الحرب فعلا، فلا إعمار في الحرب.

طيب!

«اللي بيوكل العصي مش زي اللي بيعدها»، كما يقول المثل الشعبي في بلاد الشام ومصر، ولا أعرف فقد يكون المثل موجودا في باقي بلادنا. وللمثل صياغة أخرى تقدم العدّ: «اللي بعد العصيّ مش زي اللي بوكلها»، وللخلاص من أكل العصي وعدها، لا بد من وقف انتهاكات الاحتلال للاتفاق، وهذا بالطبع لا يكون بما يصلنا من الولايات المتحدة، حين أبدى مسؤولون في إدارة الرئيس ترامب قلقا بالغا من أن اتفاقية وقف الحرب، قد تنهار بسبب صعوبة تنفيذ العديد من بنودها الأساسية، وعدم وضوح مسارها».

لذلك، فإن التطبيق الأمين للاتفاقية يعني أولا قيام الولايات المتحدة بدورها، كون الاتفاقية هي أصلا مبادرة الرئيس ترامب؛ فليس من المناسب في حق الدولة العظمى أن تجعل من نفسها صغرى من حيث التنفيذ، كذلك فإن على الدول المتعاقدة على اتفاقية وقف الحرب أن يكون لها موقف حازم من عبث دولة الاحتلال بها؛ فلا يجوز لإسرائيل المحتلة أبدا التصرف «بقلة احترام» لهذه الدول التي لا تمثل فقط حكوماتها وشعوبها، بل إنها فعلا تمثل شعوب العالم وحكوماته.

إن عدم سيطرة الولايات المتحدة على تنفيذ الاتفاقية، يمكن أن يجعل الأمور تفلت من عقالها، فليس من الحكمة وضع الولايات المتحدة أرجلها في الماء البارد، وإنه لم يعد مقبولا تفهم مماطلة إسرائيل في تنفيذ الاتفاق بحجج واهية.

الولايات المتحدة وأوروبا، ودول فاعلة شرقا وغربا، تتحمل جميعا مسؤولية جبر إسرائيل على السير الإيجابي في وقف الحرب، في حين فإن الموقف العربي لن يستطيع تحمل عبثية إسرائيل، التي في ظل تخريب الاتفاقية، تتحدث عن إعادة إعمار «التطبيع».

فبدلا من التصريح «بأن الاتفاقية قد تنهار بسبب صعوبة تنفيذ العديد من بنودها الأساسية، وعدم وضوح مسارها»، فإن عليها من خلال أجهزتها المتخصصة فحص السبب أو الأسباب، والقيام بما من شأنه توضيح المسار، كون الهدف واضحا أصلا.

تريد دولة الاحتلال «خربشتنا» نحن الفلسطينيين معا، كذلك «خربشة» العالم العربي، بما تريده من عدم استقرار للأمن القومي العربي، لأنها فعلا لم تفتح قلبها للسلام ولم تصف نواياها؛ فإذا كانت دولة الاحتلال تسعى لتسوية سياسية مع سورية ببقاء هضبة الجولان تحت الاحتلال، فإنها ترى أن هناك مشروعية لديها نحو حلّ القضية الفلسطينية في سياق بقاء الاحتلال. وهي في ظل غرورها تتوقع منا أن يخرج من بين ظهرانينا من يكون وكيلا للاحتلال، في وقت لم يعد هناك مجال للتراجع عن مشروعنا الوطني الذي لا يزال يحظى بشرعية عربية ودولية.

ولا تقف «الخربشة» علينا فلسطينيا وعربيا؛ فهذا ما باتت دولة الاحتلال تجيده. إنها تؤثر الحروب، بالرغم من عدم إجادتها لها، فهلا تجرّب طريق السلام الحقيقي؟

طيّب؟

ليست قدرا، بل واقعا يمكن التعامل معه بأساليب معينة؛ فلا نمنح الاحتلال فرصة توظيف فعلنا لأهداف سياسية، تحقق أهدافه. إن شعبنا في الضفة الغربية، يتأذى باستفزازات المستوطنين، الذين صار دورهم العسكري واضحا، فلم تغض دولة الاحتلال عينيها عن فعل المستوطنين بل راحت تمدهم بشرعية الاعتداء على أبناء شعبنا، ومساءلتهم من خلال التحقيق معهم وتوقيفهم. وشعبنا يعرف الأهداف الاحتلالية، لجرّهم نحو أفعال تكون مآلاتها معروفة.

لذلك، فقد كانت أهم نتائج القمة التي جمعت الرئيسين الفلسطيني والفرنسي الانتباه لمخططات الاحتلال تجاه الضفة الغربية؛ فوفقا للرئيس الفرنسي ماكرون فإن مشاريع الضم الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة «خط أحمر». وبالرغم من الليونة الدبلوماسية في تصريح ماكرون، في قوله، إن «عنف المستوطنين وتسارع مشاريع الاستيطان يبلغان مستويات قياسية جديدة تهدد استقرار الضفة الغربية وتشكل انتهاكات للقانون الدولي»، فإنّ حديثه يتفق مع الأوروبيين ما يجعل التحركات الاحتلالية ليست بهذه السهولة، حتى وإن «وزع» بن غفير الحلوى لتعميق الاحتلال.

ومن المهم، في ظل إعادة اعتبارنا لعاملنا الذاتي، ألا نندفع لاقتتال آخر ما بين فصائل عمل وطني في قطاع غزة، وميليشيات تتبع الاحتلال، لأن الاحتلال يطول عمره مع تفريقنا، وقديما قيل: فرّق تسد!

ثمة فرصة لتدخل عربي يحفظ الشرعية الفلسطينية، يبعدنا عن شبح الاقتتال، خاصة أننا لا نعرف أفراد هذه الميليشيات، والتي تشبه ميليشيات الخراب في الدول الشقيقة، والتي ظهرت فجأة واختفت، ومن يدري أن الاحتلال يريد استنساخ تجارب تلك الميليشيات هنا في فلسطين.

لم تكن نية الاحتلال صافية في أي يوم من الأيام، فهو عندما يتحدث عن السلام يفعل فعل الاعتداء؛ فكيف نفسّر تدمير إسرائيل لبيوت كثيرة، تجاوزت 1550 مبنى بعد التوقيع على وقف الحرب!

ما زال الاحتلال يعيق وصول المساعدات، ويعبث بما تم الاتفاق عليه، بل و»يحوره» بما يخدم أهدافه الكولونيالية، من منطلق انه كلما أخرت إسرائيل تطبيق الاتفاق في غزة، فإنها تؤخر إحراز اختراق سياسي.

إننا والحالة هذه، محتاجون للدول المتعاقدة على وقف الحرب، لوقفها فعلا من ناحية، وتسريع العمل السياسي؛ فلا بدّ من إلزام الاحتلال باحترام تعهداته.

السلام سيأتي بسلام، ويمكن تعميمه، لكن سيصعب عمل اختراق لعمليات سياسية في ظل تمادٍ عسكري يحصل دون أي مبررات.

- فمن سيكفّ أيادي الاحتلال عن الأذى على الأرض المحتلة وفي الفضاء الفلسطيني؟

- فعلنا الوحدوي مدعوم بدول شقيقة مؤثرة في ظل سياق دولي رافض للاحتلال.

- و؟

- من غيرها؟ الولايات المتحدة، إن أرادت فإنها قادرة أن تكفّ أيادي الاحتلال عن الأذى.

وهكذا، فإن الردّ الفلسطيني هو رد وحدوي في سياق الرد العربي والدولي للدول المتعاقدة على وقف الحرب.

لقد ارتبط مصطلح «بداية النهاية» بالصراع هنا بشكل خاص، كما نشأ هنا مصلح آخر مرتبط به، وهو إدارة الصراع، فهذه الحرب، التي هي ابنة عقود طويلة، يبدو أنها لن تنتهي بسهولة إلا إذا آمن المحتل بالسلام، أو تم إجباره عليه، لأن البديل ليس استمرار الصراع هنا، بل في بلاد أخرى، كذلك تتصارع بينها فوق السطح وتحته، ولأن الاحتلال هو خير من يوظّف التحالفات، فمن يدري في ظل بداية إنشاء تحالفات عربية حقيقية هنا مع دول منها، سيؤدي إلى توازن عسكري أو لحرب أخرى! حرب أخرى لن يكون الشعب الفلسطيني هو الذي يدفع ضريبتها فقط.