نيويورك تايمز: إسرائيل تحول الحياة في الضفة إلى جحيم تمهيدا للتهجير
نشر بتاريخ: 2025/11/12 (آخر تحديث: 2025/11/12 الساعة: 15:21)

نيويورك - أبرزت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تعمد دولة الاحتلال الإسرائيلي تحويل الحياة في الضفة الغربية المحتلة إلى جحيم لا يطاق تمهيدا لفرض التهجير القسري وضم كامل الأراضي الفلسطينية.

وأشارت الصحيفة إلى أنه في العاشر تشرين الأول/أكتوبر، وهو اليوم نفسه الذي دخل فيه وقف إطلاق النار في غزة حيّز التنفيذ، خرجت مجموعة من الفلسطينيين في بلدة بيتا في الضفة الغربية لقطف الزيتون، فهجم عليهم مجموعة من المستوطنين الإسرائيليين، وأُفيد بإصابة عشرين فلسطينيًا، بينهم رجلان مُسنّان؛ ونُقل رجل إلى المستشفى بعد إصابته بطلق ناري.

وبعد تسعة أيام من ذلك، تم تصوير مستوطن إسرائيلي مقنّع على يد صحفي أميركي بينما كان يضرب امرأة فلسطينية تبلغ 53 عامًا بعصا في قرية ترمسعيا. لقد سقطت المرأة فاقدة الوعي، ووثّق مقطع الفيديو لحظة سقوطها تحت شجرة زيتون.

وفي الخامس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر، أظهر تسجيل مصوّر مستوطنًا وجنودًا يعتدون على رجل فلسطيني يبلغ 65 عامًا في نحالين قرب بيت لحم، أمام عائلته.

وفي الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر، تعرّض مزارعون فلسطينيون في بيتا لهجوم جديد، وقد تعرّض نشطاء إسرائيليون انضموا إليهم لتوفير حماية لهم للاعتداء أيضًا، ومن بينهم مدير مدرسة فنون يبلغ 77 عامًا، تعرّض لكسر في الفك وعظمة الوجنة، كما أُصيب موظفان من وكالة رويترز خلال الحادث.

لم يُعتقل معظم المعتدين في هذه الحالات، وأفادت الأمم المتحدة أن شهر تشرين الأول/أكتوبر — وهو ذروة موسم قطف الزيتون في الضفة الغربية — سجّل أعلى عدد من اعتداءات المستوطنين منذ بدأت توثيقها عام 2006، وجرى تسجيل أكثر من 260 اعتداءً، بمعدل ثمانية اعتداءات يوميًا.

وتيرة متسارعة وخطيرة من العدوان

علقت الصحيفة "هذه وتيرة متسارعة وخطيرة من العدوان، لكنها ليست جديدة ولا معزولة، فمنذ هجمات السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، قُتل أكثر من ألف فلسطيني في الضفة الغربية على يد قوات إسرائيلية أو مستوطنين؛ واحد من كل خمسة قتلى طفل".

وفي الفترة نفسها، قال أكثر من ثلاثة آلاف فلسطيني إنهم نزحوا من منازلهم وأراضيهم، في الغالب بسبب عنف المستوطنين، كما نزح نحو أربعين ألف فلسطيني من شمال الضفة الغربية بفعل عمليات الجيش الإسرائيلي.

كما أقامت دولة الاحتلال خلال العامين الماضيين، ما يقرب من ألف حاجزٍ ونقطة تفتيش عشوائية عبر الضفة الغربية، مما يخنق قدرة الفلسطينيين على التنقل والعمل بحرية.

وكل ذلك جزء من أجندة الحكومة الإسرائيلية الصريحة الرامية إلى توسيع وتعميق سيطرتها على الضفة الغربية، فأعضاء في ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يسعون بوضوح إلى ضم الضفة رسميًا لمنع قيام دولة فلسطينية (أما نتنياهو نفسه فيتجنب اتخاذ موقف واضح).

ونادراً ما يفكر معظم الإسرائيليين في الضفة الغربية، وكثيرون لا يعلمون بالعنف اليومي وبالتهجير الذي يعاني منه الفلسطينيون، وحتى عندما تظهر هذه الوقائع في وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإنها تُعرض باعتبارها أحداثًا استثنائية، رغم كونها سياسة ممنهجة.

نحو إسرائيل الكبرى

قالت نيويورك تايمز إن الخريطة التي يراها الإسرائيليون في نشرات الطقس وفي أغلب الصفوف الدراسية تُظهر ما يُعرف بـ “إسرائيل الكبرى”، وهي مساحة من البحر المتوسط إلى نهر الأردن، دون أي إشارة لحدود ما قبل 1967، المعروفة بـ الخط الأخضر، التي تفصل (إسرائيل) عن الأراضي الفلسطينية.

وعلى الرغم من أن الجيش الإسرائيلي يحتل الضفة الغربية منذ عام 1967، فإن كلمة “احتلال” نادرًا ما تظهر في الإعلام أو الخطاب العام.

وقد أصبح معظم الاسرائيليين ينظرون إلى دولة الاحتلال والأراضي المحتلة على أنهما مساحة جغرافية واحدة بلا فاصل، وقد ترسّخ هذا التحول خلال السنوات الـ25 الماضية، بعد انهيار اتفاقات أوسلو، واندلاع الانتفاضة الثانية، وتلاشي معسكر السلام الإسرائيلي ومعه أمل مبادلة الأرض بالسلام والحل القائم على دولتين، أما ترسيخ الدولة لسيطرتها على الأرض والموارد والسكان خارج الخط الأخضر فهو مجرد جانب واحد من عملية الضم الفعلي التي حدثت فعليًا.

وقد تسارع هذا المسار قبل ثلاث سنوات، عندما مُنح بتسلئيل سموتريتش — وهو مستوطن أيديولوجي يؤمن بقدسية الأرض — كجزء من اتفاقه الائتلافي مع نتنياهو، دور “الحاكم الفعلي” للضفة الغربية، حيث أسس سموتريتش هيئة حكومية جديدة تُدعى “إدارة الاستيطان” وتولى كل ما يتعلق بما يُعرف بـ “الشؤون المدنية اليومية” مثل الإسكان والتخطيط والطرق، وبهذا، نقل الصلاحيات من المسؤولين العسكريين الذين يفترض أنهم يديرون “احتلالًا مؤقتًا” منذ 1967، إلى مدنيين يتبنون رؤيته للسيادة الإسرائيلية الدائمة.

وقد تم تصعيد كل جانب من جوانب السيطرة الإسرائيلية في الضفة الغربية على يد سموتريتش، فقد جرى المصادقة على نحو خمسين ألف وحدة سكنية في المستوطنات، بينها أكثر من 25 ألف وحدة هذا العام فقط — وهو رقم يفوق السنوات السابقة بمراحل، كما سهّل مصادرة مساحات واسعة من الأراضي في الضفة الغربية وإعلانها “أراضي دولة إسرائيلية”.

واستولى سموتريتش خلال ثلاث سنوات، على مساحة من الأرض تقترب في مجموعها مما استولت عليه إسرائيل خلال العقود الثلاثة التي تلت اتفاقات أوسلو، كما شرعن ومَوَّل بؤرًا استيطانية كانت غير قانونية حتى وفق القانون الإسرائيلي، ودفع السلطات للموافقة على البناء في منطقة E1 شرق القدس، وهي منطقة حذرت جميع الإدارات الأميركية السابقة من البناء فيها، لأنها تقسم الضفة الغربية إلى شطرين وتحطم إمكانية تواصل جغرافي لدولة فلسطينية.

غير أن أكثر مشاريعه طموحًا هو تغيير نظام تسجيل ملكية الأراضي في المنطقة (ج) — التي تمثل 60٪ من مساحة الضفة الغربية — بحيث يصبح عبء إثبات الملكية على الفلسطينيين أثقل بكثير، ما يُسهّل أكثر استيلاء الدولة على الأراضي، وبمجرد حصول تحويل الملكية، يصبح من شبه المستحيل للفلسطينيين استعادتها.

تحايل أمريكي صريح

عندما يقول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن الضم الرسمي “خارج الطاولة”، فإن هذا لا يعني الكثير، ففي عام 2020، عندما وقّعت إسرائيل اتفاقات أبراهام، كان الامتناع عن الضم ورقة تفاوض، وليس تغييرًا في السياسة، ويمكن لإسرائيل مرة أخرى أن تعد المجتمع الدولي بأنها لن تُقدم على ضم رسمي، رغم أنها نفذت الضم فعليًا على الأرض.

فأماكن الرعاة والمزارعين والعائلات الفلسطينية التي كانت مألوفة في وادي الأردن والمناطق بين القدس وأريحا، أصبحت نادرة، بينما بات المشهد الأكثر شيوعًا هو مجموعات من المستوطنين المسلحين يراقبون قطعان الأغنام.

وأكدت الصحيفة أن تركيز المجتمع الدولي على الحفاظ على وقف إطلاق النار في غزة أمر مهم، لكن لا يجب فصل الضفة الغربية عن هذه الجهود، أو اعتبارها قضية محسومة لمجرد وجود “خط أحمر” نظري يمنع الضم الرسمي.

وقالت إن الاعتراف بالدولة الفلسطينية — كما فعل مزيد من حلفاء (إسرائيل) الغربيين مؤخرًا — والتأكيد على ضرورة وجود مسار نحو الدولة الفلسطينية، كما نص عليه إعلان الأمم المتحدة في نيويورك في أيلول/سبتمبر، وكما أشار إليه سلام ترامب اسمًا، خطوات مهمة لكنها فارغة من الأثر العملي.

وستُفهم اي سياسة أميركية أو أوروبية أو عربية تقول “لا” للضم الرسمي دون اتخاذ أي إجراء لوقف الضم الفعلي من قبل (إسرائيل) بوصفها دعوة لمواصلة المسار الحالي.

وقد جعلت دولة الاحتلال الحياة في الضفة الغربية لا تُطاق لثلاثة ملايين فلسطيني يعيشون فيها، وهذه الظروف كارثية بالنسبة للفلسطينيين، وخطيرة على إسرائيل نفسها.

فإذا اعتقد الفلسطينيون أنه لا أمل بالحرية أو حق تقرير المصير، فإن اليأس والغضب سيزدادان — كما ستزداد ردّة الفعل الإسرائيلية نحو مزيد من القمع الأمني، وقد يدفع ذلك بعض الفلسطينيين إلى تحمّل واقعهم بالقوة أو يدفع من يستطيع منهم إلى الرحيل عن الضفة.

لكن الأرجح أن يؤدي ذلك في نهاية المطاف — كما حدث في السابع من تشرين الأول/أكتوبر — إلى انفجار تصعيد جديد، ما يعطي دولة الاحتلال ذريعة لتكرار ما فعلته في غزة ولكن هذه المرة في الضفة الغربية.