سيخلد التاريخ الزعيم الخالد ياسر عرفات كرمز للنضال والكفاح لصالح قضية شعبه الذي عاشها بكل إخلاص وتعرض بسببها للحصار والإبعاد ومحاولات الاغتيال، لكن التاريخ نفسه سيذكر أنه خرج من كل تلك الأحداث سالما ليعود لقيادة طائرة شعبه مشتتة الركاب في كل أنحاء العالم نحو فلسطين.

أبو عمار الذي بدا للكثيرين أنه رجلا "يستعصي على الموت" أو "معجزة" تسير على قدمين، تعرض لسلسلة طويلة من حوادث القدر الأليمة التي حاول فيها الموت خطفه، لكن العناية الإلهية كانت تنقذه في كل مرة، حتى وفاته التي بدا فيها وكأنه يتشبث بالحياة لآخر رمق تزيد سطرا مثيرا في ذلك السجل العجيب.

أيلول الأسود
في سبتمبر 1970 وقعت اشتباكات عنيفة بين الفصائل الفلسطينية والجيش الأردني أسفرت عن سقوط ضحايا من الجانبين، وعرفت تلك الأحداث بأيلول الأسود، ولعبت الوساطات العربية دورها في انتهاء الأزمة بخروج المقاومة الفلسطينية من عمان والتوجه إلى لبنان، ونجا عرفات وقتها من موت محقق وتم تهريبه سرا إلى القاهرة حيث حضر القمة العربية في سبتمبر من نفس العام.

معجزة عرفات
في 13 أبريل 1973 نجا عرفات من محاولة اغتيال إسرائيلية في لبنان نفذتها وحدة خاصة ضمت بين أفرادها رئيس حكومة الاحتلال السابق إيهود باراك وقتل في العملية 3 من مساعدي عرفات، وأكد مقربون منه أن "معجزة" سمحت له بالبقاء بعيدا.

حصار بيروت
في العام 1982 حين حلقت الطائرات الإسرائيلية فوق أجواء بيروت، وقصفت كل مكان ظنا منها أن عرفات موجود بداخله، ساد الاعتقاد بأنه قتل أو على الأقل لن يخرج سليما، إلا أن ذلك القصف الذي خلف مئات القتلى من المدنيين الأبرياء لم يمس عرفات بسوء، ونال إعجاب الكثيرين بصموده في تلك المواجهة العنيفة، وخرج من لبنان تحت الحماية الدولية إلى تونس يوم 21 أغسطس/ آب من نفس العام حيث ظلت منظمة التحرير الفلسطينية التي يرأسها هناك حتى عام 1994.

حمام الشط
رغم بعد عرفات آلاف الأميال عن فلسطين، لم تهدأ الخطط الإسرائيلية لمحاولة النيل منه ومن رفاقه، فلاحقتهم هناك، وفي الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 1985 قام الطيران الإسرائيلي بقصف مقر عرفات ومكاتب المنظمة جنوب العاصمة التونسية، لكن عرفات نجا بأعجوبة من هذا القصف الذي أوقع عشرات القتلى.

الصحراء الليبية
وفي العام 1992 سقطت طائرة عرفات الخاصة في الصحراء الليبية أثناء توجهه من الخرطوم إلى طرابلس، واعتبر وقتها في عداد الأموات واستنفرت مكاتب منظمة التحرير في تونس وتم الاستعداد لصلاة الغائب على روحه، لكنه ظهر مفاجئا الجميع بجرح بسيط نهض من آثاره في اليوم الثاني لدخوله المستشفى، وكان الوحيد الذي نجا من الحادث.

اغتيال صامت
استغل رئيس حكومة الاحتلال أرئيل شارون أحداث انتفاضة الأقصى عام 2000 وحاصر عرفات بمقر المقاطعة في رام الله تمهيدا لتصفيته سياسيا ثم جسديا وكان له ما أراد يوم 11 نوفمبر 2004 حين رحل ياسر عرفات بعد صراعه المفاجئ مع مرض غامض ناجم عن سم أو مادة إشعاعية ليطوي عقودا من النضال تصدر فيها لوائح الاغتيال الإسرائيلية.
