بروفايل|| محمد الطوس.. الشهيد الحي الذي عاش الحرية بعد 40 عامًا
نشر بتاريخ: 2025/11/09 (آخر تحديث: 2025/11/11 الساعة: 21:12)

أسير مناضل يؤمن بحتمية النصر، يمتلك وعيا فكريا كبيرا لما يدور حوله، إنه المحرر محمد الطوس "أبو شادي" ذلك الشخص المتواضع والرياضي والقارئ والمثقف والاجتماعي الذي شارك في كل المراحل النضالية في المعتقلات، وخاض الإضرابات المفصلية عن الطعام، ضد إدارات السجون المختلفة، في تاريخ الحركة الأسيرة.

يصفه رفاق دربه داخل السجن بأنه "رجل فلسطيني يحب حياة البر والجبال، ويعرف تفاصيل هذه الحياة من نباتات وعيون مياه، وكهوف، وغيرها، خاصة في المناطق الممتدة من قريته الجبعة (غرب بيت لحم جنوب الضفة الغربية المحتلة) إلى سواحل عسقلان على البحر الأبيض المتوسط.

ويُعد الطوس أقدم أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية، واعتقل في عام 1985، وحكم عليه بالسجن المؤبد بعد إدانته بتنفيذ هجمات مسلحة ضد أهداف عسكرية.

المولد والنشأة

ولد محمد أحمد عبد الحميد الطوس عام 1956 في بلدة الجبعة جنوبي بيت لحم بالضفة الفلسطينية المحتلة، وهي قرية يعود تاريخها إلى ما قبل 1800 سنة، واسمها يشير إلى أصل آرامي بمعنى التلة، وتسمى بالرومانية جباتا.

تلقى محمد تعليمه الأول في منطقته المحاصرة، وحصل على شهادة الثانوية من مدرسة حلحول، وأثناء ذلك اضطر إلى الهجرة مع عائلته للأردن بعد نكسة 1967، ولكنهم عادوا بعد شهرين.

النضال والاعتقال

انضم محمد الطوس لحركة فتح عام 1970، وشارك في فعالياتها الوطنية وأعمال المقاومة، ونفذ مع مجموعته عدة عمليات بين عامي 1983 و1985، منها عملية في 17 سبتمبر/أيلول 1984، وثانية على طريق الخضر "غوش عتصيون" في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 1984، وثالثة في منطقة بيت لحم في 31 يناير/كانون الثاني 1985، وعمليات ضد مصانع للاحتلال في مستوطنة "بيت شيمش".

تعرض محمد للاعتقال مبكرا، ودخل سجون الاحتلال وهو لا يزال طفلا في الـ14 من عمره في 17 أكتوبر/تشرين الأول 1970، أي في العام الذي انضم فيه لحركة فتح، ثم عاود الاحتلال اعتقاله عام 1975، وفي هذه المرة هرب من السجن يوم 27 يونيو/حزيران 1975 ليصبح مطاردا وتعتقله إسرائيل فيما بعد 4 مرات في الأعوام 1981 و1982 و1983 و1985.

خلية الجبل

وفي السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1985 نصبت قوات الاحتلال كمينا لمجموعة كانت في طريقها إلى الحدود مع الأردن وفيها محمد الطوس، وبعد مطاردة لفترة طويلة أطلقت الطائرات الإسرائيلية الرصاص على سيارة المجموعة، فسقطوا جميعا شهداء، إلا الطوس فأصيب بعدة رصاصات، واعتقل وهو ينزف، وتعرض للضرب المبرح رغم إصابته الخطيرة.

أخضع الطوس للتحقيق 10 أيام وهو في هذه الحالة، ثم نقل لمركز آخر ليتعرض لتعذيب قاس امتد أكثر من 3 أشهر، وبعدها هدمت قوات الاحتلال منزله وهي تخفي نبأ الاعتقال، حتى إن أهل محمد أقاموا عزاء له ولم يعرفوا أنه على قيد الحياة إلا بعد 6 أشهر من الحادثة، ولهذا لقب بـ"الشهيد الحي".

ساحة نضال أخرى

وجهت لمحمد الطوس تهمة الانتماء لحركة فتح ومقاومة الاحتلال ضمن "مجموعة فدائية عسكرية فاعلة ومتميزة في العمل المقاوم"، ولكنه رفض الوقوف أمام المحكمة أو الاعتراف بها، فأصدرت محكمة عسكرية بحقه حكما بالسجن المؤبد لعدة مرات.

وفي محبسه رفض الطوس سياسات مصلحة السجون، وشارك في فعاليات وإضرابات عن الطعام للتعبير عن ذلك، حتى أصبح من قيادات الحركة الأسيرة.

وبقيت المعلمة آمنة الطوس زوجة الأسير محمد تعيش على أمل الإفراج عنه، وتخرج في كل وقفة لمناصرة الأسرى محتضنة صورته ومعها أولاده شادي وفداء وثائر.

وفي عام 2014 أعلنت سلطات الاحتلال موافقتها على الإفراج عن محمد الطوس في صفقة لتبادل الأسرى، لكنها تراجعت مما تسبب في ألم كبير لآمنة، وبعد دخولها في غيبوبة لمدة عام توفيت في أول يناير/كانون الثاني 2015.

كما استمرت قوات الاحتلال في التنكيل بأسرة محمد الطوس بصنوف من المضايقات، ومنها هدم بيته 3 مرات، والاعتداء على جنازة أخته نايفة الطوس في الأول من يوليو/تموز 2022.

وأشد من ذلك وضعه في كل قائمة للمفرج عنهم في صفقات تبادل الأسرى ثم التراجع عن الوعد، حتى أصبح بين عمداء الأسرى الفلسطينيين لطول السنوات التي قضاها في سجون الاحتلال، وبقي في قائمة 23 من أسرى ما قبل أوسلو.

المؤلفات

ومن خلف الأسوار ألّف الطوس كتابين، أحدهما يروي سيرته الذاتية وقصة انخراطه في العمل المقاوم وآراءه في تطورات القضية الفلسطينية والمنطقة العربية، وقد صدر بعنوان "عين الجبل" عام 2021، والآخر يسرد يومياته داخل السجن، وصدر بعنوان "حلاوة ومرارة" عام 2023.

وكشف الطوس في كتابه الأول عن تفاصيل عمل الخلية الفدائية "جبل الخليل"، التي كان عضوا مهما فيها، والتي نفذت عمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي على مدار 3 سنوات، إلى أن تم استهداف أفرادها جميعا عام 1985، وهم: علي خلايلة، ومحمد نفيعات، ومحمود النجار، ومحمد عدوان، وكانت المعجزة -كما يصفها في كتابه- أنه خامسهم، وكان أصيب بجروح بليغة، واعتقد الجميع أنه استشهد، حتى أن أهله فتحوا بيت عزاء له، ولكن تبين أنه مصاب وتعافى مع سنوات اعتقاله الطويلة.

حكا الطوس في كتابه عن مطاردة الفدائيين الفلسطينيين في الجبال والكهوف، وعن العمل الفدائي في تلك الحقبة الزمنية، وأشار في كتابه إلى أنه لم يتم الإفراج عنه نهائيا في أية مفاوضات أو صفقات، ورغم ذلك يوضح أنه لم ييأس، وتحمل كثيرا من الألم، خاصة بعد هدم منزله 3 مرات بعد اعتقاله وأطفاله كانوا صغارا، وبعد وفاة زوجته وهي تنتظر الإفراج عنه.

موعد مع الحرية

بعد 40 عاما من التنكيل والانتقام بالسجون الإسرائيلية، تنقس الأسير محمد الطوس الحرية بغد الإفراج عنه في يناير عام 2025 ضمن الدفعة الثانية في إطار المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية وسلطات الاحتلال، بشرط إبعاده إلى خارج فلسطين لثلاثة أعوام حيث اختار الإقامة في جمهورية مصر العربية.

ويطوي الطوس، الملقب بعميد الأسرى الفلسطينيين، من بلدة الجبعة ببيت لحم جنوبي الضفة الغربية المحتلة، 40 عامًا أمضاها في السجون الإسرائيلية، بعد اعتقاله عام 1985.