إبادة البشر والشجر والحجر
نشر بتاريخ: 2025/09/07 (آخر تحديث: 2025/09/07 الساعة: 22:58)

مع كلّ مرحلةٍ من مراحل الإبادة الجماعية في غزّة، ومع كلّ خطةٍ يعلن عنها الاحتلال، تتضح أكثر معالم الحقيقة الكامنة وراء هذه الحرب المستمرة وتلك الخطط الفاشية المتتابعة، وفق مراحل الإبادة والعمليات المتدحرجة قصفًا وتجويعًا واحتلالًا مباشرًا. فحكومة نتنياهو لا تبالي بمصير أسراها، ولا تعمل على استعادتهم، بل إن أهدافها تتضح مع كل مرحلةٍ بالقضاء على كلّ شيء، ومسح جغرافيا القطاع بالكامل. ولهذا عادت لتهدم البنايات والأبراج السكنية التي نجت من عمليات القصف السابقة، وبطريقةٍ لا تُبقي ولا تذر تعمل على هدم بقايا الأبراج وتسويتها بالأرض، في مشاهد مروّعة يندى لها جبين الإنسانيّة الصامتة على كلّ ما حدث ويحدث، وهي لا تزال ترى وتشاهد كلّ هذه الجرائم التي يرتكبها الاحتلال بحقّ الأبرياء في غزّة.

منذ الأسابيع الأولى اتضحت نوايا حكومة نتنياهو، وكان الهدف الإبادة والتهجير، وبهذا المعنى الحرفي يجاهرون في كل تصريح لهم، وبهذا البطش المتجبر يواصلون قصفهم، وبهذه العنجهية المتعمدة يضعون خططهم التي لا تتوقف، وبلا خوف من المحاسبة والمحاكمة على كل هذه الجرائم ضد الإنسانية، لأن الغطاء السياسي والعسكري الأمريكي يوفر لهم الدعم ويجعلهم أكثر دموية، ولهذا يرفضون كل مقترحات الوسطاء ويضعون العصي في دواليب الحلول، وفي كل مرة يُفشلون جهود الوسطاء، وهم ماضون في حرب الإبادة حتى النهاية.

نتنياهو من جانبه يسعى إلى استمرار حرب الإبادة، كما يسعى إلى تنفيذ خطته الرامية إلى تهجير سكان غزه حيث أعاد من جديد عمليات هدم الأبراج التي نجت من القصف سابقًا، وبدأ عملية الاحتلال البري لمدينة غزة، في إصرار متعمد على هدم كل بناء قائم، وحرق كل الشجر والبشر ومسح معالم كل الأحياء والشوارع والحارات، وقد وصل مستوى الخراب والدمار حد كبير، بحيث باتت مساحة قطاع غير قابلة للعيش، في ظل استمرار حرب الإبادة والحصار والتجويع، وكعادته نتنياهو الكاذب بدأ يروج لفكرة الضغط على مصر من أجل فتح معبر رفح، ليخرج الناس ليس رغبة في النزوح بل محاولة في النجاة من ويلات الحال، وهذه قمة البذاءة التي بدأ نتنياهو بالترويج لها، متلازمة مع اشتداد عمليات القصف والخراب والقتل، ومع توالي الخطط المستعرة بكل أشكالها الفاشية والعنصرية التي تستهدف الوجود الفلسطيني، وتدفع بكل ما أوتيت من إجرام نحو التهجير والتطهير العرقي، وهي ماضية نحو ذلك بكل ما أوتيت من غطرسة ومن دعم أمريكي متواصل، وما كان ذلك ليحدث لولا دعم الرئيس الأمريكي ترامب والإدارة الأمريكية التي توفر بسخاء كل عوامل الدعم المالي، وتوفر الغطاء السياسي والعسكري.

٧٠٠ يومٍ مرّت على حرب الإبادة، ولا تزال عمليات القتل والقصف مستمرة، تمتدّ على طول مساحة القطاع المحاصر. وفي المقابل، تقضم خطط التهويد وقرارات الضم مساحاتٍ شاسعة من أراضي الضفة والقدس. هذه الحكومة المتطرفة ماضية في سياساتها، ولن تتوقف إلا إذا تدخلت الإدارة الأمريكية، ومعها دول العالم، لوقف هذا التغوّل والجنون، وفرض رؤيةٍ للحلّ تقوم على إيقاف حرب الإبادة وانسحاب الاحتلال وفق قرارات الشرعية الدولية. وما لم يحدث ذلك، فإن مسلسل إرهاب الاحتلال ومستوطنيه سيبقى مستمرًّا، متوعّدًا بمزيدٍ من العنف والتطرف والإرهاب.