"طريق العدل يؤدي إلى الحياة، والسير فيه يُنجّي من الموت" (أمثال 12:28)قبل بضعة أسابيع، أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن قرارها بالسيطرة على مدينة غزة. وخلال الأيام الأخيرة، أفادت وسائل الإعلام مرارًا عن تعبئة عسكرية ضخمة واستعدادات لهجوم وشيك. وتشير نفس التقارير إلى أن سكان مدينة غزة، حيث يعيش مئات الآلاف من المدنيين - وحيث تقع أيضًا كنائسنا - سيتمّ إجلاؤهم ونقلهم إلى جنوب القطاع. وفي وقت صدور هذا البيان، كانت أوامر الإخلاء قد صدرت بالفعل لعدة أحياء في مدينة غزة. ولا تزال التقارير تتوالى عن قصف مكثّف. وهناك المزيد من الدمار والموت في وضع كان مأساويًا بالفعل قبل بدء العملية.يبدو أن إعلان الحكومة الإسرائيلية بأن "أبواب الجحيم ستُفتح" يتخذ بالفعل أشكالًا مأساوية. إن خبرة الاجتياحات السابقة لغزة، والنيّات المعلنة للحكومة الإسرائيلية بشأن العملية الحاليّة، والتقارير الواردة من الميدان، كلّها تشير إلى أن هذه العملية ليست مجرد تهديد، بل حقيقة يجري تنفيذها بالفعل.منذ اندلاع الحرب، أصبح مُجمَّع كنيسة مار بورفيريوس للروم الأرثوذكس ومُجمَّع كنيسة العائلة المقدسة في مدينة غزة ملاذًا لمئات المدنيين، من بينهم كبار السن والنساء والأطفال. وفي مجُمّع كنيسة اللاتين يعيش منذ سنوات طويلة أشخاص من ذوي الإعاقة، يتلقَّون الرعاية على يد جمعيّة مرسَلات المحبة. وكما هو الحال بالنسبة لباقي سكان مدينة غزة، سيتعيّن على اللاجئين الذين احتموا داخل أسوار هذين المُجمَّعين أن يقرّروا ما سيفعلونه وفقًا لضميرهم. ويعاني الكثيرون منهم من الهُزال وسوء التغذية بسبب الصعوبات التي واجهوها خلال الأشهر الماضية. إن مغادرة مدينة غزة ومحاولة الفرار إلى الجنوب ستكونان بمثابة إعلان حُكمٍ بالإعدام عليهم. ولهذا السبب، قرّر الكهنة والراهبات البقاء والاستمرار في رعاية جميع من سيبقَون في رِحاب المجمّعَيْن.نحن لا نعلم بالضبط ما سيحدُث على أرض الواقع، ليس فقط لرعيّتنا، بل لجميع السكّان. ولا يسعنا إلا أن نكرّر ما قلناه سابقًا: لا يمكن أن يكون هناك مستقبل قائم على الأسر أو تشريد الفلسطينيين أو الانتقام منهم.ونردّد ما قاله البابا لاون الرابع عشر قبل أيام: "يجب على الأقوياء احترام جميع الشعوب، حتى أصغرها وأضعفها، في هويتها وحقوقها، وخاصة حقّها في العيش على أرضها؛ ولا يجوز لأحد أن يُجبرها على المنفى القسري." (خطاب إلى مجموعة من لاجئي تشاغوس، 23/8/2025)هذه ليست الطريقة الصحيحة. لا يوجد أي مبرّر للتهجير الجماعي المتعمّد والقسري للمدنيين.لقد حان الوقت لإنهاء دوامة العنف، ووضع حدّ للحرب، وإعطاء الأولوية للخير العام. جرى ما يكفي من الدمار، في الممتلكات وفي حياة الناس. ولا يوجد أي مبرّر لاحتجاز المدنيين كأسرى ورهائن في ظروف مأساوية. وحان الوقت لتعافي العائلات التي عانت كثيرا، من أي طرف كانت.وبنفس القدر من الإلحاح، نناشد المجتمع الدولي أن يتحرّك لإنهاء هذه الحرب العبثيّة والمدمرة، ولعودة المفقودين والرهائن الإسرائيليين.بالفعل، "طريق العدل يؤدّي إلى الحياة، والسير فيه ينجّي من الموت" (أمثال 12:28)لنتضرّع إلى الله كي تتوبَ قلوبُنا إليه، فنسيرَ في دروبِ العدل والحياة، من أجل غزة ومن أجل الأرض المقدّسة بأسرها.
بيان مشترك صادر عن بطريركية الروم الأرثوذكس المقدسية والبطريركية اللاتينية في القدس
نشر بتاريخ: 2025/08/26
(آخر تحديث: 2025/08/26 الساعة: 15:54)
