بين نكبتين "سيناريو التهجير القادم"
نشر بتاريخ: 2025/08/25 (آخر تحديث: 2025/08/25 الساعة: 10:08)

أحداث السابع من أكتوبر منحت "اسرائيل" ذريعة للانقضاض على قطاع غزة، حيث بدأت بهجوم وحشي غير مسبوق استهدف الشجر والحجر والبشر، حيث عَمدت قوات الاحتلال الى قصف المباني السكنية والبنية التحتية والمدارس والمستشفيات ودور العبادة، وغيرها من المرافق العامة والحيوية في القطاع، في خطة غير معلنة لجعل قطاع غزة منطقة غير قابلة للحياة، بهدف ترحيل سكان القطاع، بحجة أن القطاع بات يشكل تهديداً وجودياً لدولة الاحتلال.وقد وجدت حكومة الاحتلال ضالتها في الدعم الأمريكي المطلق "السياسي، والعسكري والمالي" حيث وفرت الإدارات الأمريكية المتعاقبة السلاح، والغطاء السياسي من خلال استخدام الفيتو الأمريكي لمنع صدور أي قرار أممي يوقف العدوان، ولم نلحظ أي دور الإدارات الأمريكية في التخفيف من حدة المعاناة، بل على العكس منحت اسرائيل ضوء أخضر لمواصلة عدوانها على القطاع، بهدف اجتثاث حماس، واستعادة الأسرى، وعدم السماح بتكرار سيناريو السابع من أكتوبر من جديد.اسرائيل ومنذ اللحظة الأولى حددت أهداف الحرب على غزة ب "القضاء على حكم حماس، وتجديدها من سلاحها، مع ترحيل بعض قياداتها العسكرية، بالإضافة إلى خلق مناطق عازلة على حدود القطاع، وكان في آخر اهتماماتها استعادة الأسرى الإسرائيليين"، حيث بدأت إسرائيل بخطة متدحرجة لتحقيق الأهداف، فعمدت إلى قتل وجرح وأسر عشرات الآلاف من الفلسطينيين، ودمرت مدن بأكملها "رفح وخانيونس، وبيت حانون وجباليا، وبين لاهيا، وأجزاء واسعة من مدينة غزة والمحافظة الوسطى" حيث قامت باحتلال ما يقارب من ٧٠٪ من أراضي القطاع، مع سيطرة أمنية على ما تبقى من القطاع.في فبراير ٢٠٢٥ أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطته لتهجير الفلسطينيين من القطاع، للسيطرة علىه، وتحويله إلى منطقة سياحية أشبه بالريفيرا الفرنسية، حيث أطلق عليها الرئيس ترامب "ريفيرا الشرق الأوسط"، ترامب تحدث في حينه بشكل واضح وصريح عن ضرورة إفراغ القطاع من سكانه، وتوطينهم في دول مجاورة " مصر والأردن"، أو في مناطق أخرى من العالم.الخطة لاقت معارضة شديدة من الحكومة المصرية،  واستهجان من كثير من دول العالم، بما فيها بعض دول الاتحاد الاوروبي.خطة الرئيس ترامب تقوم على طرد الفلسطينيين من أرضهم، وتوطينهم خارج حدود الأراضي الفلسطينية، وكأن ترامب أعطى نفسه الحق في فعل ما يراه مناسباً، والتصرف كيفما يشاء في أراضي القطاع، خطة الترحيل تعيد إلى الأذهان ما حدث أبان النكبة الأولى في العام 1948، بعد أن قامت العصابات الصهيونية بارتكاب المجازر للاستيلاء بالقوة على الأراضي الفلسطينية، وإجبار الفلسطينيين على النزوح من أراضيهم، بالضبط هذا ما حدث بالفعل حيث قامت "اسرائيل" بطرد أكثر من 750 ألف فلسطيني من مدنهم وقراهم، ولا زال حتى هذه اللحظة يعاني شعبنا الفلسطيني من آثار النكبة الأولى.وكأن التاريخ يعيد نفسه حيث يتعرض شعبنا الفلسطيني إلى جرائم القتل والدمار، ويعاد من جديد طرح سيناريو التهجير، نفس المخطط ونفس العصابات الصهيونية ولكن بأسماء مستحدثة "منظمات الهاغاناة والايتسل وشتيرن" التي ارتكبت عشرات المذابح ودمرت قرى وبلدات فلسطينية، يتم استنساخها تحت مسميات مختلفة، تُدمر مدن وقرى ومخيمات قطاع غزة بنفس الطريقة، ويجبر سكان القطاع على مغادرة منازلهم تحت وطئة القصف والجوع، يجبرون على ترك منازلهم لأنها أصبحت أثراً بعد عين بفعل القصف والدمار والمطاردة اليومية لطائرات ودبابات وقذائف الاحتلال لأجساد المواطنين.تمسك حكومة الاحتلال بخطة التهجير الترامبية "قسرية أم طوعية" سعيد للأذهان النكبات المتتالية التي لحقت بالفلسطينيين والتي تركت جروح عميقة في نفوسهم، فهي "أي حكومة الاحتلال" أعدد الخطط اللازمة لتنفيذ خطة الترحيل، وعمدت إلى جعل غزة غير قابلة للحياة، تمهيداً لفرض الترحيل على أهالي القطاع الذين لن يتمكنوا من مواصلة حياتهم المعتادة، الأمر الذي يجعلهم يفكرون في البحث عن ملاذ آمن يتوفر فيه أبسط مقومات الحياة.حكومة الاحتلال وعلى لسان قادتها السياسيين والعسكريين يحاولون التخفيف من حدة الانتقادات الموجهة لهم في محاولة لكسر موجة الغضب والرفض الدولي ويسوقون المسألة على أنها لمصلحة الفلسطينيين، ومن أجل عزل السكان عن مقاتلي حماس وغيرها من المبررات لشعورهم بتعاظم الرفض التهجير قصري أو طوعي، لأن الفلسطيني في كلتا الحالتين مجبر على ترك أرضه تحت الضغط العسكري.رغم ان الرئيس ترامب يرى في تهجير الفلسطينيين فرصة لإعادة رسم المنطقة والعمل على تنمية القطاع إلا أن المجتمع الدولي يرى أن في طرد الفلسطينيين جريمة حرب حتى لو تم تسويقه على أنه طوعي، لأن ما يحدث ناتج عن ضغوط تفوق قدرة المواطنين على التحمل.أمام الموقف المصري الرافض لخطة التهجير تحاول الإدارة الأمريكية بالتنسيق مع حكومة الاحتلال البحث عن دول بديلة لاستقبال الفلسطينيين وتوطينهم في أراضيها، وفي نفس الوقت تعمل حكومة الاحتلال على التجهيز للبدء في تنفيذ الخطة بعد الانتهاء من احتلال مدينة غزة وتدميرها ونقل سكانها إلى الجنوب بالقرب من الحدود المصرية، وربما في مرحلة ما تقوم قوات الاحتلال بتكثيف ضغطها على النازحين لدفعهم اختراق الحدود لفرض موضوع الترحيل على الحكومة المصرية.في 8 أغسطس 2025، صادق الكابينت الإسرائيلي على خطة "تدريجية" لاحتلال قطاع غزة بالكامل، بدءً من مدينة غزة، مع دفع السكان نحو الجنوب.وفي هذه المرة أيضاً جاء الموقف المصري الرافض لاحتلال المدينة وتهجير سكانها، واعتبر قرار الكابينت بمثابة ترسيخ لاحتلال القطاع وتصفية القضية الفلسطينية، واعتبرت مصر أن قرار الكابينت من شأنه تأجيج الصراع ونشر الكراهية والتطرف في المنطقة، وطالبت بتدخل دولي عاجل لمنع احتلال المدينة.وحتى لا يتحقق هدف الاحتلال في تفريغ المدينة وتهجير سكانها، هناك أدوار على حماس أن تقوم بها لنزع الذرائع، بالتوافق مع السلطة الفلسطينية، والأشقاء المصريين والقطريين، للضغط على الإدارة الأمريكية لتقوم بدورها بالضغط على اسرائيل من أجل وقف عدوانها على المدينة ووضع حد لاحتلالها، تمهيداً لعقد صفقة توقف الحرب إلى غير رجعة وفق ترتيبات متفق عليها، وإلا فإن العملية الاحتلالية ستستمر وسيجد الفلسطينيين أنفسهم خارج دائرة الفعل السياسي لفترة قد تستمر لعقود.إن نجحت اسرائيل في مخططها فهذا يعني بأن لعنة جديدة أصابت الأرض والإنسان.