عجز المنظومة الدولية أمام وقف حرب الإبادة والتجويع
نشر بتاريخ: 2025/08/23 (آخر تحديث: 2025/08/23 الساعة: 06:52)

البيان الأممي المشترك الصادر عن منظمات دولية تابعة للأمم المتحدة "الفاو - اليونسيف - برنامج الأغذية - الصحة العالمية" الذي يدعو لوقف فوري لإطلاق النار في غزة، ويدعو لضمان وصول المساعدات الإنسانية للقطاع دون أي عائق، للحد من الوفيات الناجمة عن الجوع، وسوء التغذية، والذي يؤكد على أن أكثر من نصف مليون شخص في غزة عالقون في مجاعة، بالإضافة لاعلان الأونروا بأن هناك مجاعة في القطاع، وهناك قلق من تفشي المجاعة بشكل كبير، نتيجة لقيام سلطات الاحتلال الإسرائيلي منع تدفق المساعدات الإنسانية للقطاع، واستخدامها سياسة التجويع في مواجهة المدنيين الفلسطينيين، لدفعهم للهجرة بحثاً عن مناطق أكثر استقرار، للحصول على أدنى مقومات الحياة.

اعلان الناطق بلسان جيش الاحتلال عن انطلاق عملية "عربات جدعون ب" في مدينة غزة ينذر بمزيد من القتل والدمار والتجويع، لما يقارب من ٩٠٠ ألف مواطن فلسطيني يعيشون فوق أنقاض منازلهم المدمرة بفعل العدوان المستمر لأكثر من ٢٢ شهر، لا طعام كافي، ولا ماء صالح للشرب، مع بنية تحتية مدمرة، الأمر الذي يزيد من معاناة المواطنين، وهذا قد يدفعهم إلى النزوح بحثاً عن ملاذ آمن.

عملية عربات جدعون "ب" مستمرة بوتيرة متصاعدة، رغم مطالبة بعض قادة دول العالم بضرورة أن تتوقف اسرائيل عن التفكير في تطويق مدينة غزة، واحتلالها وترحيل سكانها، إلا أن هذه المطالبات لم تلقٓ آذان صاغية، بل على العكس زادت التصريحات العلنية لرئيس حكومة الاحتلال نتنياهو، وعدد من وزراء حكومته، الذين يعلنون جهاراً نهاراً عزمهم على تدمير مدينة غزة، وطرد سكانها، مع إصرارهم على تحدي المنظومة الدولية، والسير عكس ما قررته الأمم المتحدة بشأن الصراع.

البيان الأممي الأخير وإن كان له مدلولاته السياسية والقانونية في مواجهة دولة الاحتلال، إلا أنه يعبر عن حالة عجز طالما رافقت كل القرارات الأممية الخاصة بإدانة دولة الاحتلال، فلم تُفلح المنظومة الدولية عن إصدار قرار أممي واحد صادر عن مجلس الأمن لجهة وقف الحرب، لاصطدام مشاريع القرارات بالفيتو الأمريكي، وحتى في حال صدور تقارير أو بيانات عن مؤسسات دولية، فإن هذه البيانات أو التقارير تبقى حبيسة الأدراج، ولا تجد طريقها للتنفيذ، في ظل تجاوز دولة الاحتلال لهذه القرارات، والقفز عنها، لأنها تعتبر نفسها محصنة ضد أية إجراءات بفعل الفيتو الأمريكي، أو الدعم المطلق من قبل بعض الدول الأوروبية الحليفة المدافعة عن دولة "اسرائيل".

اعلان الأمم المتحدة عن وقوع مجاعة في القطاع هي سابقة الأولى من نوعها في تاريخ الصراع، حيث أعلنت الأمم المتحدة بتاريخ ٢٢ أغسطس ٢٠٢٥ عن وقوع مجاعة في القطاع، في إشارة لأن أكثر من "٥١٤ الف" ما يعادل ربع سكان القطاع يعانون من المجاعة، وأن العدد قابل الارتفاع إلى ٦٤١ ألف شخص مع نهاية شهر سبتمبر، حيث أن هناك آلاف الأطفال مهددون بالموت، بسبب سوء التغذية، ونقص الغذاء.

ما يحدث من مجاعة هي بفعل قيام قوات الاحتلال يمنع تدفق المساعدات "الطعام والدواء" إلى القطاع، ونتيجة لاستهداف البنية الأساسية، وتجريف الأراضي الزراعية، وتدمير آبار المياه والمستشفيات، وغيرها من المرافق العامة.

وإن منع اسرائيل للغذاء والدواء يشكل جريمة حرب متكاملة الأركان، حيث اعتبرت المفوضية السامية لحقوق الإنسان أن سياسة التجويع قد ترقى إلى جريمة حرب وفق القانون الدولي، كما أكدت على ذلك نصوص اتفاقيات جنيف لعام ١٩٤٩.

وقد وثّقت الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية أن حصار غزة، ومنع دخول المساعدات، هو السبب المباشر في وقوع المجاعة، والإعلان عنها، وهو ما يجعل المسؤولين الإسرائيليين عُرضة للمساءلة أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جريمة حرب.

وقد ساهم في تفاقم المجاعة قيام سلطات الاحتلال الإسرائيلي اعتماد مؤسسة غزة الانسانية (Gaza Humanitarian Foundation) سيئة الصيت والسمعة، والتي وجهت لها انتقادات من المقرر الأممي وبعض المؤسسات الحقوقية، حيث وجهت انتقادات لاذعة بأن المؤسسة "تستخدم المساعدات سلاحًا للحرب، لتهجير الناس وإذلالهم" مؤكدًا وجود "تجويع قسري للأطفال والنساء والمدنيين" من خلال توزيع محدود ومشروط، بالإضافة لمقتل المئات من الفلسطينيين طالبي المساعدات بالقرب من مراكز التوزيع الخاصة بالمؤسسة، جراء قيام جنود الاحتلال بإطلاق النار المباشر على الفلسطينيين في محيطها.

البيان الأممي وإن كان متأخراً بعض الشئ، إلا أنه

يعتبر ضربة موجعة للاحتلال، ويفند الرواية الاسرائيلية التي تنفي حدوث مجاعة في غزة، ويمكن أن يشكل حالة من الضغط، وبالإمكان الاعتماد عليه، وعلى غيره من البيانات الداعمة لحقوق شعبنا الفلسطيني، والمطالبة بوقف الحرب، وإدخال المساعدات، من أجل محاصرة دولة الاحتلال التي بدأت تفقد الكثير من حلفائها نتيجة السياسة الإجرامية التي تتبعها ضد شعبنا، وأيضاً نظراً بتنامي التعاطف الشعبي الدولي، وقيام عدد من الحكومات الغربية والتلويح باتخاذ جملة من الإجراءات العقابية، لكف يد دولة الاحتلال عن ممارساتها القمعية ضد الفلسطينيين.

لذا فإن المجتمع الدولي مدعو لتفكيك الأزمة عبر التحرك الفوري لوقف الحرب على غزة، والضغط باتجاه السماح بتدفق المساعدات الإنسانية من خلال فتح ممرات آمنة لإدخال الغذاء والدواء دون قيود اسرائيلية، يضاف إلى ذلك العمل على إخضاع المسئولين الاسرائيليين للعدالة الدولية لمحاكمتهم كمجرمي حرب على قتلهم وتجويعهم لمئات آلاف المدنيين الفلسطينيين.

المجتمع الدولي ممثل بالامم المتحدة عليه واجب قانوني وأخلاقي وإنساني بضرورة العمل على إنقاذ أكثر من مليوني إنسان يعانون من خطر الموت، بفعل القصف والمجاعة، لأن استمرار الحرب والمجاعة يعني فشل للضمير الجمعي العالمي، وحالة عجز للمنظومة الدولية.