كفى صمـتــاً وهـذيانـاً
نشر بتاريخ: 2025/08/19 (آخر تحديث: 2025/08/19 الساعة: 22:43)

كما أخطأت قيادة حماس خطأ تاريخياً من الوزن الثقيل في فتح معركة شاملة مع دولة الاحتلال دون أن تتراجع، فهي ترتكب الآن خطأ من الوزن ذاته في معركة التفاوض على نجاتها.

وفي المعركتين يدفع الشعب الفلسطيني ثمناً باهظاً حطم كل التقديرات في مجال الخسائر البشرية والمادية.

وفي المعركتين قامرت حركة حماس بمصير وحياة مجتمع وشعب وقضية.

أيام تفصلنا عن وضع الخطة الإسرائيلية الفاشية في حيز التطبيق، الخطة تبدأ باقتلاع ما يقارب المليون مواطن ومحو البقية الباقية من منازل ومرافق وشوارع ومعالم المدينة التاريخية العريقة التي يسمى القطاع باسمها، وسبق أن تعرضت مدن رفح وخان يونس وبلدات بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا والعديد من المخيمات للتدمير والتهجير، وكان التدمير قد طال المدارس والجامعات والمستشفيات والمساجد والكنائس والمزارع والورش والمحال التجارية وكل البنية التحتية.

تكتفي قيادة حماس والدائرون في فلكها في وصف التوحش الإسرائيلي وتحميل الحكومة الإسرائيلية مسؤولية الجرائم والكوارث التي تحل بالشعب الفلسطيني.

لا شك في أن إسرائيل هي التي تقوم بفعل الإبادة والمحو وهي الطرف المدان والذي يستحق العقوبة بجدارة.

لا أحد في العالم يختلف على ذلك. ولكن ماذا تفعل حركة حماس عملياً لقطع الطريق على الإبادة والمحو والتهجير والقهر والإذلال.

دعونا نتوقف عند تكتيكات حماس التفاوضية لنحكم من خلالها.

اعتمد المفاوض الأميركي ويتكوف بالتفاهم مع نتنياهو تكتيك استعادة الأسرى الإسرائيليين على مراحل، للتحرر من ضغوط المجتمع الإسرائيلي ولمواصلة الحرب حتى تحقيق الأهداف المعلنة وغير المعلنة، كالتهجير والضم وإعادة بناء شرق أوسط جديد يمهد لإسرائيل الكبرى.

اعتقدت قيادة حماس أنها تستطيع إبرام اتفاق تحافظ من خلاله على حضور سياسي وتنظيمي يمكنها لاحقاً من استعادة إدارتها وسلطتها في القطاع.

وتعتقد أن امتلاكها لورقة الأسرى يحقق ذلك. وقد نقل عن مصادر الفصائل المجتمعة في القاهرة، أنها تدرس خطة تتعلق بالمحتجزين تحول دون احتلال غزة، وقد أوصلت الفصائل رسالة واضحة تعتبر أن حياة الفلسطينيين وممتلكاتهم مرهونة بحياة الرهائن.

ولهذا فهي ستحافظ على حياتهم من أجل مبادلتهم والتوصل إلى اتفاق وقف الحرب. والتأكيد على أن دم الفلسطيني لن يبقى وحده مستباحاً ويجب أن يكون ثمنه غالياً ليس فقط من حياة الجنود الذين سيدخلون إلى المدينة بل ومن حياة الرهائن.

وكشف بعض المتحدثين لصحيفة «الشرق الأوسط» تحت عنوان: مصادر الفصائل: ندرس خطة تتعلق بالمحتجزين، بأنه يجري الحديث عن نقل بعض الأسرى، أو الاحتفاظ بهم داخل مدينة غزة، والتنقل بهم من مكان إلى آخر في شروط لا تسمح لأي قوة إسرائيلية باستعادتهم أحياء.

يقول المتحدثون: نحن على قناعة بأن نتنياهو ووزراء حكومته لا يأبهون بحياة أسراهم، ورغم ذلك تحمل قيادة حماس هذه الورقة ما لا قدرة لها على احتماله. فتبني على القوة السحرية للعشرين أسيراً، قوة اسمها الضمانات الأميركية وضمان الرئيس ترامب على وجه التحديد «بأن لا تعود إسرائيل إلى الحرب بعد استلامها للرهائن»، قافزة عن حقيقة التطابق في المواقف بين إدارة ترامب وفريقها، بل قد تكون أكثر تطرفاً من الحكومة الإسرائيلية. وقد ألمح ترامب متسائلاً عن مصير حماس بعد أن تفقد ورقة الأسرى.

في مقابلة مطولة مع فضائية «العربي» تغنى عضو المكتب السياسي غازي حمد بإنجازات التفاوض في مجال خرائط السيطرة الأمنية، والأسرى، والضمانات، والمساعدات، التي حققتها حماس مقارنة بالورقة التي قدمها ويتكوف.

وأضاف: أرادت حكومة الاحتلال تقديم بنود بناءً على الواقع الذي أوجده الاحتلال، وأضاف: مع أن إسرائيل هزمت على الأرض ولا تستطيع أن تبقى في قطاع غزة. رفضنا هذا وقدمنا رؤية قُبلت من الوسطاء. لكن نتنياهو رفض التعديلات التي قدمتها حماس.

وكان يمكن جسر الهوة كما قال الوسطاء. غير أن حماس أضافت شروطاً جديدة كالإفراج عن المعتقلين من قوات النخبة يوم 7 أكتوبر، وأرجأت تسليم الرهينة الأخيرة ببدء إعمار القطاع.

تشجعت حماس بعد التحركات والإدانات الدولية الموجهة لإسرائيل بعد انكشاف فضيحة موت الغزيين جوعاً وخطر انتشار مجاعة تقضي على البقية الباقية من الغزيين.

كان رد الفعل الإسرائيلي حاداً لجهة الانتقال إلى خمسة مطالب: الإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين، ونزع سلاح حماس وقطاع غزة، ومغادرة قيادة حماس أراضي القطاع، واستبدال حكم حماس بإدارة تكنوقراط، وخضوع قطاع غزة لسيطرة أمنية إسرائيلية.

وتحقيق كل ذلك من خلال عملية عسكرية كبيرة اعتمدتها حكومة نتنياهو وشرع جيش الاحتلال بالتحضير لتهجير حوالى مليون مواطن بالقوة وتدمير ومحو مدينة غزة وعموم المنطقة الوسطى.

كان رد حماس التراجع عن شروطها الأخيرة والقبول بصفقة ويتكوف الجزئية التي تنص على تفاوض لإنهاء الحرب. على ضوء ما تقدم يمكن القول:

• التفاوض لإنهاء الحرب يتضمن بشكل أو بآخر الشروط الخمسة التي اعتمدتها الحكومة الإسرائيلية، ولا تستطيع حماس تغيير تلك الشروط أو تخفيف بعضها بتفاوض ثنائي، ولا يمكن «للأسرى الإسرائيليين» الورقة السحرية التي تملكها حماس أن تغير الواقع المأساوي.

• اعتقاد حماس بأنها تتفاوض من أجل اتفاق يتناسب مع تضحيات وصمود المواطنين - وهي تضحيات مفروضة وبلا ثمن -، يتناقض مع حقيقة أن كل يوم يمر يُقتل ويصاب ويُشرد فيه مئات وآلاف المواطنين فضلاً عن خطر محو المكان وخطر التهجير.

تعريف مصلحة المواطنين منذ 7 أكتوبر وحتى اليوم هو الخروج من هذه الحرب بأسرع وقت ولا يفسر استمرار قيادة حماس في خوضها غير مصالحها الأنانية الضيقة.

• الخروج من الحرب الكارثية بأسرع وقت لا يمكن أن يُترك قراره لحركة حماس و»فصائلها» و»نخبها» الجديدة المفلسة بل يبدأ بكسر احتكار حماس لقرار الحرب ووقفها، إن استمرار الاحتكار الحمساوي لقرار وقف الحرب سيقود إلى استفراد إسرائيل الكهانية بكل الوضع الفلسطيني.

مسؤولية الدفاع عن مجتمع يُباد ويُفكك، مسؤولية الدفاع عن الحقوق الوطنية المشروعة وتقرير المصير، هي مسؤولية كل فلسطيني وكل مؤسسة وتنظيم ومنظمة ونقابة واتحاد وكل مدرسة وجامعة.

• تضافر الشرعية والكل الفلسطيني، مع الدول العربية، ومع دول العالم الصديقة وكل المؤسسات الدولية وكل المتضامنين العالميين، وكل الإسرائيليين الذين رفضوا حرب الإبادة والتجويع ودعوا إلى حل سياسي عادل، هؤلاء جميعاً سيفرضون وقفاً للحرب، وسيشكلون الضمانة الحقيقية.

• بالأمس دافع مليون إسرائيلي عن 20 جندياً وضابطاً أسيرا ودعوا إلى وقف الحرب وتبادل الأسرى وقدموا الحل السياسي كبديل للحل العسكري الفاشي. السؤال متى يدافع الشعب الفلسطيني ونخبه السياسية والثقافية عن 2.3 مليون يتعرضون للموت بالمدافع وللموت جوعاً ولقهر وذل منقطع النظير؟.

متى يدافع المجتمع عن نفسه من حرب الإبادة والمحو الخارجي، ومن الهذيان والصمت واستقالة العقل الداخلي.