نتنياهو يواصل قيادة «التايتانيك» إلى الغرق
نشر بتاريخ: 2025/07/31 (آخر تحديث: 2025/08/02 الساعة: 00:22)

بينما أعلن بنيامين نتنياهو، أن حربه الإبادية على الفلسطينيين تستهدف «تحرير أرض الميعاد»، واستكمال ما تم تحقيقه العام 1948، و»تحرير» المجتمع اليهودي من التهديدات الأمنية في حربٍ سماها «يوم القيامة»، فإنه قد وجد نفسه متورّطاً وغارقاً في الوهم.

القوة والقوة المفرطة الغاشمة، هي ديدن «الائتلاف اليميني» المتطرّف في الدولة العبرية، لغرض الخضوع والاستسلام، وصناعة السلام في المنطقة التي تسكنها «وحوش بشرية» على حدّ قول نتنياهو.

تقترب حرب الإبادة الجماعية والتجويع من عامها الثاني، ونتنياهو وزملاؤه في الحكومة الفاشية، ما زالوا يهذون بحلم تحقيق الانتصار الساحق الكامل بينما لا يلاحظون أن «التايتانيك» تغرق شيئاً فشيئاً كما سبق أن حذّر مراراً رئيس الحكومة الأسبق إيهود باراك.

يبدو أن نتنياهو قد فقد كل الخيارات لتحقيق أهداف حربه العدوانية، وقد وجد نفسه يتصرف وفق المثل القائل «إذا غرق مركبك ألحقه رجلك».

بعد قانون القومية العنصري، لم يتوقف «الكنيست» عن إصدار المزيد من القوانين العنصرية، وآخرها التصويت على ضمّ أجزاء من الضفة الغربية وغور الأردن.

أما غزّة فينتظرها، كما يدعو كل من بن غفير وسموتريتش، الاحتلال الكامل، وتهجير سكانها، أو قتلهم قصفاً وتجويعاً، لتسوية الأرض، من أجل إعادة بناء المستوطنات فيها.

الأيديولوجيا التي تقف خلف سياسات «الائتلاف اليميني»، تتجاوز سردية المظلومية التي جرى اعتمادها، لتضليل المجتمع الدولي، أما السردية الجديدة فكأنها تقول إن الفلسطينيين يحتلون «أرض إسرائيل»، بل إن ثمة عربا في الجوار يفعلون الشيء ذاته، وبالتالي فإن حروب دولة الاحتلال هي حروب تحرّرية بعكس قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي.

يدّعي «الائتلاف اليميني» أن جيش الاحتلال الأكثر أخلاقية في العالم، وإذ به الأكثر سقوطاً أخلاقياً، بشهادة الكثير من الإسرائيليين الذين لا يقلّون حبّاً وحرصاً في دولة الاحتلال من نتنياهو وأركان ائتلافه.

الفلسطينيون يمارسون الإرهاب، وفق الرواية الإسرائيلية، ومن يدعمها، انطلاقاً من أيديولوجية التحرير الصهيونية المزعومة، لكن العالم كله باستثناء الولايات المتحدة الأميركية، أخذ يرفع صوته مدوّياً، في مواجهة حرب الإبادة والتجويع التي يمارسها جيش الاحتلال.

لم تبق مؤسسة حقيقية دولية، وعدد كبير من المؤسّسات الوطنية في غير مكان من العالم، إلّا وقدمت تقارير وإفادات تؤكد ضلوع دولة الاحتلال في حرب إبادة بعد أن تجاوزت، كل منطق وقيم ونصوص القوانين الدولية والقانون الدولي الإنساني.

لعلّ آخر ما ورد، ما جاء في تقرير صدر في تموز 2025 عن مؤسسة «بتسيلم» الإسرائيلية، الذي يستفيض في تقديم الأدلة والبراهين والمقارنات التي تؤكّد أن دولة الاحتلال تمارس الإبادة الجماعية.

يبرز معدّو التقرير «أن الإبادة الجماعية عملية متعدّدة الأوجه فبينما يعدّ القتل الجماعي أحد أركانها إلّا أن هناك أفعالاً أخرى مثل خلق ظروف معيشية تهدّد الحياة، والهجمات المتعدّدة على مؤسّسات الصحة، والتعليم، والثقافة، والتهجير القسري، والتدمير النفسي لشعب بأكمله».

ليس هناك من يُنكر هذه التهمة سوى دولة الاحتلال وأميركا اللتين تمارسان ضغوطاً شديدة على المحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة العدل الدولية، لمنعهما من إكمال التحقيقات وإصدار الأحكام.

بالمناسبة كانت منظمة «هيومان رايتس ووتش» قد أطلقت هي الأخرى هذه الاتهامات، قبل أن تختفي تقريباً عن المشهد.

أراد نتنياهو أن «يحرّر» «أرض الميعاد من التهديد، وأن «يحرّر» كيانه الكولونيالي، لكنه لا يدرك أنه قد حرّر كيانه من حلفائه التاريخيين حتى لم يبق إلى جانبه سوى أميركا، وربّما إلى حين دولتي «سايكس ـ بيكو» فرنسا وبريطانيا، وهي التي أنشأت المشروع الصهيوني، ومدّته بكل أسباب القوة، قبل أن تأخذ أميركا مكانهما، هاتان الدولتان تعلنان أنهما ستعترفان بدولة فلسطين من على منبر الأمم المتحدة في أيلول القادم.

زلزال دولي يضرب دولة الاحتلال، خاصة وأن بريطانيا على لسان وزير خارجيتها يعلن عن مسؤولية بلاده تاريخياً عمّا يحلّ بالفلسطينيين فيما يبدو أن الوقت قد حان للتصحيح. وكندا تعلن أنها تفكر في الاعتراف بدولة فلسطينية.

سلوفينيا وهولندا تعلنان عزمهما على منع سموتريتش وبن غفير من دخول أراضيهما.

أراد نتنياهو أن «يحرّر» اليهود، وإذ بقسم متزايد منهم، يعلنون البراءة مما تفعله دولة الاحتلال، حتى في أميركا إذ يعرضون أنفسهم للاعتقال كما حصل بالنسبة لبعض الطلبة اليهود في الجامعات الأميركية، وما حصل مع حاخامات، احتجوا داخل الكونغرس الأميركي، وجرى إخلاؤهم بالقوة.

لا يمكن غض النظر عن نتائج المؤتمر الدولي الذي نظمته فرنسا والسعودية بحضور 40 دولة، تحت عنوان «آليات تنفيذ حل الدولتين».

قد يبدو أن هذا المؤتمر، الذي تميز بمواقف وخطابات وترتيبات وآليات، أكثر وضوحاً وجدّية من أي محاولة سابقة، على أنه لا يملك القوة الكافية لفرض ما جاء في بيانه الاختتامي، لكنه يشكل حلقة مهمة في الفعل الدبلوماسي الفاعل في السياق العام لتطور الصراع.

الدوائر الداخلية والخارجية، تضيق حول حكومة الاحتلال، فيما هي لا تزال تعاند، وتصرّ على البحث عن خيارات أخرى لمواصلة حرب الإبادة والتجويع، لتحقيق أهداف نتنياهو.

سنتان لم ينجح خلالهما «الائتلاف الحكومي الفاشي» في تحقيق الأهداف، رغم أن وضع الدولة العبرية كان أفضل أكثر داخلياً وخارجياً خلال السنة والنصف من الحرب فهل يمكن بعد كل هذا الفشل، وما نجم عنه من تغيّرات أن ينجح نتنياهو، أم أنه ما زال يقود «التايتانيك» إلى الغرق؟