القوي لا يطلب وقف الحروب...!
نشر بتاريخ: 2025/07/27 (آخر تحديث: 2025/07/27 الساعة: 21:47)

ما الذي حدث للصفقة كي يغضب الرئيس ترامب بهذا الشكل، ويضطر للإفصاح عما ستفعله إسرائيل بحركة حماس، حتى لو نجحت هذه الصفقة أو الصفقة التي تليها؟ قال ترامب «أعتقد أن حماس تعرف ماذا سيحدث بعد استعادة كل الرهائن، لهذا لا تريد التوصل إلى اتفاق ..هي لا تريد صفقة» هكذا كان يتوّج انسحاب الوفد الأميركي الذي فعل كما يفعل الوفد الإسرائيلي في لحظة نسيانه أنه يمثل دور الوسيط.

ما قاله ترامب هو بيت القصيد الذي لم تدركه حركة حماس، بأن المفاوضات معها تتعلق بالرهائن الذين تريد اسرائيل تخليصهم، أما بعد ذلك فستستمر الحرب وملاحقة الحركة. هذا هو هدف إسرائيل، وهو السبب الذي يجعلها ترفض مجرد الحديث عن انتهاء الحرب، هي فقط تقبل تهدئات مؤقتة تحصل فيها على أسراها وتستأنف الحرب والإبادة.

في الوعي الإسرائيلي، والذي تمكنت أيضاً من إقناع راعيها الأميركي وكثير من الدول به، هو أن عملية السابع من أكتوبر التي قامت بها حركة حماس هي «هولوكوست» وهو الذي يتغلغل في العقل الجمعي في إسرائيل، معبّراً عن ذاته في تصريحات لمسؤولين إسرائيليين وأبرزهم بنيامين نتنياهو الذي أراد منذ بداية الحرب ربط حماس بالنازية، وبالتأكيد باعتبار ترامب هو الذراع التنفيذي لنتنياهو، لنا أن نقدّر أنه يحمل هذا الفهم وهو ما سقط منه في التعبير الصريح قبل يومين.

أمام هذا ما الذي ينتظر حماس؟ والأهم ما الذي ينتظر الفلسطينيين في غزة وهم مَن اعتبرتهم اسرائيل المجتمع الذي أنتج حركة حماس. لكن السؤال الأكثر تركيزاً ماذا ينتظر الغزيين إذا لم تتم الصفقة؟ وماذا ينتظرهم لو تمت الصفقة وانتهت الستون يوماً نحو استئناف اسرائيل ملاحقة حماس؟ حرب مستمرة؟ وماذا ستكون النتيجة؟ وتتفرع أسئلة كان من المبكر طرحها مثل: هل بإمكان حماس وقف الحرب؟ وأيضاً هل بإمكان حماس إخراج اسرائيل من غزة؟ واضح أن تلك مهمة جيل آخر وليست مهمة حركة حماس التي تسببت باحتلال القطاع؟ والسؤال الأهم هل بإمكان حركة حماس حماية الناس؟ تلك أيضاً لم تكن ممكنة، لذا كل الأسئلة والإجابات من الضروري أن تجد مقاربات مختلفة، لأن سيناريو ترك الأحداث للصُّدف أمر مدمر، ولكن الإسرائيلي يعمل بمخطط محكم، ونحن وحدنا من يدير بالصدفة.

في كل معارك التاريخ لم يحدث وأن يطلب القوي والمنتصر وقف الحرب، لأن استمرارها بالنسبة له يعني تحقيق مزيد من المكاسب والاستيلاء على مزيد من الأرض، وقتل مزيد من الخصوم وإرغام الطرف الضعيف على الاستجابة لشروطه، أما إذا كان الطرفان متكافئَين بالقوة والسلاح فقد تطول الحرب، لأن أيّاً منهما ليس مستعداً لتقديم تنازلات، فالميدان هو الذي يحدد، فما الذي يحدث في هذه الحرب التي تكلف كل يوم حوالي مائة شهيد ومئات آلاف من المشردين في الخيام، ومن الجوعى في حرب الإبادة هذه؟ ليس هناك تكافؤ، لأن كل مصانع الأسلحة الأميركية في خدمة اسرائيل وحروبها، هذا إذا تجاهلنا مصانع دول أخرى.

وفي ظل اللاتكافؤ، ما هو المطلوب من حركة حماس غير القادرة على تغيير الميدان، بل ويهدد جيشُ اسرائيل باجتياح مزيد من الأراضي؟ وهل هي أقوى من حزب الله الذي توقف في لحظة تجنب فيها مزيداً من إبادة الشعب اللبناني، مستجيباً لشروط إسرائيل بضمنها استمرار القصف على لبنان واغتيال قياداته وبقاء أسراه في السجون الإسرائيلية؟ وحماس ليست أذكى من إيران التي امتصت ضرباتها لوقف التدهور، أما قصة عرفات وبيروت والخروج تلك عالقة في التاريخ الفلسطيني.

الضعيف هو مَن يطلب وقف الحرب، وتلك لها استحقاقاتها التي تتعلق باستعداده لفهم واقع الميدان وما يعطيه في المفاوضات، لأن وضع الضعيف لاشتراطات تتحول إلى حالة كاريكاتورية غير مفهومة في علم السياسة، وتتحول إلى حالة من العناد الفادح، والذي يُعيد تساؤلات الجدارة في العمل العام والمغامرة بالجيوش والشعوب لتبيئة واقع لصالح فكرة ما، لا تريد الاعتراف بعدم الجدارة خوفاً من النهايات.

وفي عقل القوى الدينية شعار «إما النصر أو الشهادة» بنفس الثنائية الحادة، إما الانتصار وهو حلم الجميع، وإما الموت ولا خيار ثالثاً، هذا الأمر مخيف وربما ينطبق على الجيوش عندما يتحارب الجيش المسلح بالدين في ساحات المعارك، ولكن ليس حين تكون المعركة بين المدنيين وللخصم قدرة على وقف الماء والغذاء والدواء، حينها يصبح الشعار هو هلاك المجتمع في ظل عدم القدرة أو العجز عن حمايته. وقد كان من الخطأ أصلاً وهو ما يحتاج إلى مراجعة، أن تسمي حركة مقاومة قواتها بالجيش، وتطلق عليه أوصاف وهيكلة الجيوش الكلاسيكية، مثل سلاح المدفعية وسلاح الطيران، ففي الحروب الكلاسيكية تصبح النتائج معروفة، غير حركات المقاومة، أي في حروب بين الجيوش يصبح من يسيطر على أرض للآخر منتصراً، وقد فعلتها اسرائيل منذ بدايات الحرب، لكن بالنسبة لتشكيلات المقاومة يختلف الأمر.

محزن أن يصل الفلسطينيون لهذا الحد، وهذا يحدث دوماً مع الشعوب التي يقودها متواضعو الكفاءة، حيث النتائج دوماً هي العودة للوراء، وهذا يحدث مع الفلسطينيين كلما وصلوا للرقم 99 في العدّ يأتي من يرغمهم على العودة من الصفر وهكذا...!