خلاصنا لمستقبل مشترك
نشر بتاريخ: 2025/07/26 (آخر تحديث: 2025/07/27 الساعة: 09:50)

سخرية السفير الأميركي مايك هاكابي لدى دولة الاحتلال من اعتراف فرنسا بدولة فلسطينية لن تؤخر قيامها، وستجد الولايات المتحدة نفسها في موقع مُدان دولياً؛ فكيف ستحتمل فرنسا وغيرها وقاحة مثل هذه السخرية حين قال: «الآن يُمكنني أن أكشف حصريًا أن فرنسا ستُقدم الريفييرا الفرنسية، وأن الدولة الجديدة ستُسمى «فرانس-أون-ستاين»؟

- هل يحدث هذا فعلاً؟ الجرائم ومشاهدتها؟

- ..............!

في كل يوم نعيشه، في الحرب على غزة، منذ ما يقرب من عامين، تسارع حديثنا الداخلي؛ ففي إزاء الهم العام الموجع جداً، يقلّ الشعور بهمومنا، فيصبح التفاضل بين الأشياء ترفاً.

نعم، كأن الاحتلال ينفذ ما وعدنا به، فجعلنا نحدث أنفسنا، وفقا للمثل العربي الذي جاء أسلوبه مهدداً. «راح أخليه يحكي مع حاله».

وهكذا، فقد صرنا نحكي مع حالنا. نسير أو نجلس، نقوم أو نقعد، وفي داخلنا تساؤل موجع عن هذا القتل البشع الذي يتم عبر أساليب متنوعة؛ فقد «تفنن» الاحتلال في قتلنا.

وفي الوقت الذي نتوجع، يزداد الوجع حينما نعرف متيقنين بأنه بإمكان الدول جميعاً التدخل، لا لنصرتنا في تحرير بلادنا، بل في وقف القتل والإبادة.

يمتد القتل في بلادنا العربية، بمسلسل دموي الحلقات، وصولاً الى مجازر السويداء، بعد مجازر جبال العلويين، التي جاءت متزامنة مع الحرب على غزة. وبعيدا أو قريبا من التأويل، فإن منظومة القتل هنا متقاربة المصدر.

لعل ما اختبره مارتن لوثر كنج كان موجعاً حين قال يوماً: «في النهاية لن نذكر كلمات أعدائنا بل صمت أصدقائنا».

ونحن هنا، لسنا إزاء كلمات، بل أفعال يندى لها جبين الإنسانية، فليست أقوالاً بل أفعال لم تنسجم معها، بل مع الحدّ الأدنى منها، أفعال أصدقائنا (وفقاً لكنج)؛ فماذا عن الأشقاء!

موجع الفعل، ورد الفعل موجع أكثر.

«وزير التجويع»، هذا ما وصفته صحيفة هآرتس لوزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي، جدعون ساعر، بسبب «خنقه وكالة الإغاثة الوحيدة القادرة على الاستمرار في غزة»، مطالبة بفتح المعابر للغذاء والمساعدات، والسماح للأمم المتحدة وباقي المنظمات الإنسانية بالعمل دون عراقيل».

استمرت المهزلة، في مفاوضات غريبة لوقف إطلاق النار، حيث تنصب الاهتمامات على مسافة تواجد قوات الاحتلال بعيداً عن حدود قطاع غزة وفيه، وعن «تغيير آلية توزيع المساعدات الإنسانية، بحيث تُدار عملية استلامها وتوزيعها من قِبل هيئات الأمم المتحدة وحدها، دون أي تدخل من صندوق المساعدات الاميركي الحالي. وأن نقطة الخلاف تتعلق بمجمعات التوزيع المتبقية لصندوق المساعدات الإنسانية لغزة. خلال وقف إطلاق النار...».

لقد كان بالإمكان وقف القتل الذي يتعرض له المدنيون الأبرياء، إنها تفاصيل غير مهمة حقا، في ظل الحصار والاحتلال، ولكنها مهمة للاحتلال الذي يقودنا نحو الانسجام مع مخططاته القديمة الجديدة في تحول شعبنا العريق الى تجمعات سكان يسعى الى تحسين أحوالها بتمويل عربيّ ودولي.

ولأن الوقت الدامي يخفف اندفاعنا في لوم من كان يزاود على مشروعنا الوطني، فإن حصاد البيدر اليوم أثبت ما حذرنا منه، من خوفنا من ظروف يتم خلقها، تقودنا الى الانتقاص من المشروع الوطني.

يا وجعنا من قبل، ومن بعد وقف إطلاق النار، وفق هدنة مؤقتة، سيكون ضمان تمديدها اطمئنان دولة الاحتلال الى ما خططت له من 58 عاماً، بل قبل ذلك بزمن طويل.

وقف إطلاق النار، يعني وقف قتلنا، الذي يجب أن يكون دائماً، لا مؤقتاً، وأن النية في جعله دائماً يجب أن تكون مقرونة بحل سياسيّ جوهره حق تقرير المصير.

سيكون الكلام مكرراً، وما أصعب التكرار كتابة، وما أكثر وجعه حين نضطر لتكراره، فما الذي سنضيفه هنا؟ فهل ما زلنا بحاجة للحديث عن الوحدة الوطنية؟ هل نحتاج لكثير جدل حول شكل الحكومة ومضمونها؟ هل نحن في ظرف المحاججة حول ما تحاول الحكومة اليوم فعله للتخفيف من الآلام؟ وهل سيطول هجومنا على بعضنا بعضاً؟ فإذاً حتى هذه اللحظة لم نرتق للفعل النبيل فمتى إذن؟

ببساطة، فإن «الغرض مرض»، وعليه، فقد صار لا بدّ من إفساح المجال لمن نجا من هذا المرض، خاصة فيما يتعلق بالخلاص الوطني وحل مشكلاتنا، في ظل سعي جاد نزيه لحكومة خلاص وطني يبدأ عملها بتخليصنا أولاً مما علق بنا من شوائب. حكومة خلاص وتخليص، لا تتجلى في أسماء أولى، بل في نهج واضح، ولما كنا في بلد صغير، ونعرف بعضنا بعضاً، فبإمكان القادة الشجعان أن تضع المسؤول المناسب/ة في المكان المناسب، فليست العملية «فتح في المندل».

من الطبيعي أن يختلف العالم، فهذا هو الأمر الطبيعي، لكن اليوم صار بالإمكان تحويل الإجماع الدولي شعبياً ورسمياً إلى آليات تحل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً.

وهنا تكمن أهمية روافعنا الفلسطينية، مدعومة بروافعنا العربية، في أفعال لا تخصّ فلسطين المحتلة فقط، بل تخص بلادنا التي تعاني أنواعاً مباشرة وغير مباشرة من الاستلاب.

المعنى: أن تسعى الدول العربية المستقرة وشبه المستقرة إلى المحافظة على استقلال الدول العربية وسيادتها، وتشجيع تجاوز التحولات السياسية نحو مجتمعات آمنة، من خلال المنهج الديمقراطي الوطني لقطع الطريق على من يبرمج مجتمعاتنا الى التربية الطائفية.

فلسطينياً، فإن الخلاص أو السير في طريقه هو خلاص وطني، وعربياً، هو كذلك، فالخلاص القُطري هو خلاص قومي، كذلك فإن الخلاص القومي إن تحقق فسيكون الضمانة لأي خلاص وطني يتحقق.

ليس هناك ناجٍ مما نعانيه، وإن بعدت تلك الدول، فستجد نفسها قريبة؛ في ظل سعي الاحتلال الدائم لتفريقنا وإضعافنا لضمان وجوده قوياً.

فحتى نضمن جميعاً الحياة الحرة المطمئنة هنا، فإن الخلاص إن لم يكن عاماً فلن يتحقق خلاص أحد. وسيكون خلاصاً مؤقتاً أكان للأفراد أو الجماعات او الدول.

إن تحقق السلام في بلد ما سيخفف الحروب في بلاد كثيرة. وستشعر الشعوب بنعمة السلام ان عمّ السلام باقي الشعوب.

إن لم نفعل ذلك جميعاً، فسيزداد حديث كثيرين مع أنفسهم، حيث سيجدون أنفسهم وحدهم لا مناصر لهم ولا مغيث.

إذاً، لنتحدث معاً، لننجز السلام على هذه الأرض، حتى لا تطول مونولوجاتنا الحزينة الموجعة.

لسنا وحدنا هنا، وليس الآخرون وحدهم، نحن معاً أفراداً وشعوباً، بيننا ما أنجزته البشرية من حضارة العقد الإنساني المشترك، وليس فقط «العقد الاجتماعي». أما السلام فسيبدأ من هنا، هذا هو قدرنا، وقدر العالم.

من أراد أن يجعلنا «نحكي مع حالنا» يعرف في يقينه أن كلامنا مع حالنا مؤقت، وانه اقترب موعده ليطول «حديثه مع حاله». وسترفض الأرض ما هو دخيل وسيرفض الإنسان من هو غير إنساني، ولن تدوم السيطرة بقوة السلاح، فكم من غزاة مروا هنا!