ردّت حركة حماس على المقترح الأمريكي الأخير المتعلق بصفقة تبادل الرهائن بصيغة "نعم، ولكن"، وفقًا لما نقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية. من جهتها، رفضت حكومة الاحتلال بقيادة بنيامين نتنياهو تحفظات حماس على مقترح وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، معتبرة أن تلك الملاحظات غير مقبولة.
في ظل هذه المفاوضات المعقدة، تحاول حماس تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب، لكنها تواجه ضغطًا شعبيًا غير مسبوق داخل قطاع غزة، حيث يتصاعد الغضب الشعبي مع تدهور الأوضاع الإنسانية وانعدام أفق الحل.
مليونا فلسطيني يعيشون في غزة، وأرواحهم معلقة على أمل توقف آلة القتل والتدمير التي تعصف بالقطاع، في ظل حصار خانق وجوع مستشري، لا يحتمل سكان القطاع استمرار الحرب دون رؤية واضحة لوقف المأساة.
من جهة أخرى، تراهن الولايات المتحدة على فرض هدنة مؤقتة قد تتطور إلى اتفاق دائم، في محاولة لتحقيق إنجاز سياسي يدعمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يسعى إلى استخدام هذا التقدم في سياق تحركاته الإقليمية الأوسع لاحتواء إيران وبناء تحالفات جديدة مع دول الخليج. وقد يتزامن إعلان الهدنة مع زيارة نتنياهو إلى واشنطن، التي انطلقت مؤخرًا.
على الرغم من ذلك، يدرك الطرفان الفلسطيني أن الطريق إلى اتفاق نهائي لا يخلو من العراقيل التي تضعها دولة الاحتلال. لكن في إسرائيل، أبدى بعض السياسيين تفاؤلًا نادرًا بإمكانية التوصل إلى اتفاق بعد شهور من الرفض والتصريحات النارية لنتنياهو الذي كان يدعي تحقيق نصر شامل. وتشير تسريبات إلى تقديم دولة الاختلال بعض التنازلات الصياغية لتسهيل التوصل إلى صيغة توافقية.
لكن تردد نتنياهو لا يخفيه، فهو من ناحية يظهر مرونة ظاهرة، ومن ناحية أخرى يضع عراقيل أمام الاتفاق، محاولةً طمأنة حلفائه في اليمين المتطرف بأن الخيارات لا تزال مفتوحة. كما يراهن على عطلة الكنيست المرتقبة حتى أكتوبر لضمان استقرار حكومته وتجنب خطر السقوط.
في سياق متصل، تستمر الخلافات داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، حيث عارض رئيس الأركان إيال زامير خطط وزراء يمينيين متطرفين لإقامة حكم عسكري وحصار سكان رفح بهدف دفعهم نحو سيناء، معتبرًا أن هذه الخطوات قد تُشعل المنطقة. بينما يستغل نتنياهو هذا الخلاف ليبرهن على ولائه للتحالف اليميني، ويُرسل رسائل تفيد استعداده للتصعيد عند الحاجة.
أما حماس، فهي في مأزق سياسي صعب. فهي تدرك أن قبول اتفاق جزئي قد يضعف موقفها مستقبلاً، لكنها أيضاً تواجه ضغوطًا شعبية هائلة نتيجة الحصار والدمار المستمرين. لذا، تحاول الحركة شراء الوقت للحصول على ضمانات حقيقية حول رفع الحصار وإعادة الإعمار.
وسط هذه الحسابات السياسية، يبقى الواقع الإنساني في غزة مأساويًا بكل المقاييس. دمار واسع، نقص حاد في الغذاء والدواء، ونزوح مئات آلاف الفلسطينيين من منازلها. فيما لم تتوقف آلة الحرب والغارات الإسرائيلية في حصد أرواح الفلسطينيين.
قد يُعلن عن اتفاق هذه المرة، لكن بعد عام كامل من المراوغة والدمار والدماء، يدرك الجميع أن الثمن الذي دفعه الشعب الفلسطيني كان باهظًا جدًا، وكان بالإمكان تفاديه لو لم تُستخدم الحرب كورقة ضغط داخلية وخارجية من قبل نتنياهو، ولو لم تُحاصر حماس خياراتها بين ضغوط شعبية خانقة.
في النهاية، يبقى الشغب الفلسطيني محاصرًا بين استمرار المعاناة أو القبول باتفاق قد لا يلبي كامل تطلعاته، لكنه يمنحه فرصة للبقاء على قيد الحياة وما تبقى منها. الحل الحقيقي يتطلب إرادة دولية وعدم انكار حقوق الفلسطينيين وتقرير مصيرهم، في ظل المصالح المتشابكة، فهل ستجد هذه الإرادة طريقها في ظل هذه الظروف؟