في عام 2025، وبينما تنشغل الأسواق العالمية بتقلبات أسعار الفائدة، وتوترات الشرق الأوسط، وتباطؤ الاقتصاد الصيني، كانت الفضة تمضي في مسار صاعد هادئ لكنه لافت؛ فقد تجاوز سعر الأونصة حاجز 37 دولاراً مؤخرًا، محققة مكاسب بأكثر من 25% منذ بداية العام، لتسجل أعلى مستوياتها منذ 2011. هذا الأداء، الذي تفوّق على الذهب في الأشهر الأخيرة، دفع الكثير من المحللين لوصف الفضة بأنها “الحصان الرابح” في سباق الأصول الآمنة والصناعية لعام 2025.الطلب المتزايد على الفضة لا يأتي فقط من صناديق التحوط والمضاربين، بل من أساسيات قوية في سوق المعادن، فالفضة تُستخدم بشكل رئيسي في الصناعات التكنولوجية، وتحديدًا في قطاع الطاقة الشمسية، حيث تُعد مكونًا لا غنى عنه في تصنيع الألواح الكهروضوئية. ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية، فإن التوسع العالمي في مشاريع الطاقة المتجددة هذا العام سيقود إلى ارتفاع الطلب الصناعي على الفضة بنسبة تقارب 38%، مدفوعًا بخطط الانتقال الأخضر في الصين، أوروبا، والولايات المتحدة.في المقابل، يعاني جانب العرض من اختناقات واضحة، حيث أن شركات التعدين لم تواكب هذا التوسع في الطلب، ومناجم عديدة - خصوصًا في أمريكا اللاتينية - واجهت تحديات تنظيمية وبيئية أدت إلى تراجع الإنتاج أو تجميد التوسعات المخططة. هذه الفجوة المحتملة بين الطلب والعرض تعني، ببساطة، أن الأسعار قد لا تكون وصلت إلى ذروتها بعد.لكن المحرك الأهم لصعود الفضة في النصف الأول من العام كان الدولار الأمريكي نفسه، فقد تراجع مؤشر الدولار (DXY) إلى أقل من 97 في نهاية الأسبوع الأول من يوليو، بعدما كان عند حوالي 108 مطلع العام، أي بانخفاض أكثر من 10%. هذا الانخفاض لا يعكس بالضرورة ضعفًا هيكليًا في الاقتصاد الأمريكي، بل هو نتاج لتحول سياسي واضح في واشنطن، حيث تعود الإدارة الجمهورية بقيادة دونالد ترمب لتضغط باتجاه خفض أسعار الفائدة بشكل عاجل. وبالفعل، قام الفيدرالي الأمريكي بخفض الفائدة إلى 4.25%، بينما بلغ معدل التضخم 2.4%.هذا التيسير النقدي يعزز من جاذبية الأصول المقوّمة بالدولار، وعلى رأسها الفضة، التي تصبح أكثر إغراءً للمستثمرين الدوليين. كما أن استمرار الحديث عن خفض إضافي للفائدة، يدفع الكثيرين إلى التحوّط من تآكل قيمة الدولار، والبحث عن أصول حقيقية تحفظ الثروة، مثل المعادن.وفي الوقت الذي تواصل فيه البنوك المركزية شراء الذهب بكثافة، بدأ بعض المستثمرين الكبار - خاصة في صناديق التحوط - بالتحوّل إلى الفضة باعتبارها البديل الأرخص والأكثر ارتباطًا بالدورة الصناعية. واللافت هنا أن نسبة الذهب إلى الفضة (Gold-to-Silver Ratio)، التي كانت تدور حول 1 : 85 في يناير، انخفضت إلى أقل من 1 : 75 حاليًا، مع توقعات بانخفاضها إلى 1 : 60 أو حتى أقل، مما يعطي هامشًا سعريًا إضافيًا لصالح الفضة.في هذا السياق، يلاحظ محللون من مؤسسات كبرى مثل UBS وSaxo Bank وCitigroup أن الفضة قد تشهد ارتفاعات إضافية خلال النصف الثاني من 2025، مع سيناريوهات تضع سعر الأونصة بين 38 إلى 42 دولارًا، وربما أكثر إذا ما شهدنا تفاقمًا في التوترات الجيوسياسية أو تصعيدًا في الحرب التجارية بين القوى الكبرى.ولا يمكن إغفال أن التحوّل في سلوك المستثمرين أيضًا يعزز هذه التوجهات، فالتباطؤ في الاقتصاد الصيني، وأزمات الأسواق الناشئة، وتصاعد الدين السيادي في عدة دول، دفع إلى حالة “بحث عن الملاذات الآمنة”، لكنها هذه المرة ليست نحو الذهب فقط، بل إلى الفضة كذلك، لكونها أصلًا يجمع بين الخصائص الدفاعية والاستخدامات الصناعية المستقبلية.في المحصلة، لا يمكن الجزم بمستقبل الفضة بشكل قاطع، لكن الاتجاهات الأساسية كلها تصب في صالحها. ما بين ضعف الدولار، وضغوط الفائدة، وتنامي الطلب الصناعي، وندرة المعروض، تبدو الفضة كأحد أذكى الرهانات الاستثمارية في عام 2025، فإذا ما استمر هذا التوجه، فإن المستثمرين الذين قرروا التحوّط أو التنويع عبر الفضة قد يجدون أنفسهم في موقع مميز تمامًا عند نهاية العام.
الفضة تصعد بثبات ؛ هل تكون الحصان الرابح في مشهد الاستثمار العالمي ؟
نشر بتاريخ: 2025/07/06
(آخر تحديث: 2025/07/07 الساعة: 01:51)
