في الذكرى الثمانين لتأسيسها، المنظمة الدولية تواجه أسوأ أزماتها البنيوية والسياسية
في ظل توترات دولية حادة وانتقادات تتزايد يوماً بعد يوم، تحتفل منظمة الأمم المتحدة اليوم بالذكرى الثمانين لتوقيع ميثاقها في 26 يونيو/حزيران 1945، ذلك الميثاق الذي جاء بعد الحرب العالمية الثانية بهدف ضمان الأمن الجماعي وتعزيز التعاون الدولي. غير أن واقع المنظمة اليوم يبدو بعيدًا كل البعد عن طموحات المؤسسين، وسط تصاعد الحروب، وشلل سياسي، وتراجع واضح في هيبتها الدولية.
في مقال تحليلي نشرته صحيفة *لوفيغارو*، سلّطت الكاتبة سولين فاري الضوء على المأزق البنيوي والسياسي الذي تعانيه المنظمة، مشيرة إلى أن خطاب وزير الخارجية الفرنسي الأسبق دومينيك دو فيلبان الشهير في الأمم المتحدة عام 2003 ضد غزو العراق، لم يعد يحمل نفس الوزن في زمن تُدار فيه العلاقات الدولية بمنطق القوة. فقد دان دو فيلبان مؤخراً الضربات الأميركية "غير القانونية" على إيران، داعياً إلى تفعيل آلية دبلوماسية تحمي العالم من الانزلاق نحو منطقة خطرة يحكمها منطق الغلبة.
ورغم رمزية الاحتفال بثمانين عاماً على تأسيس الأمم المتحدة، إلا أن الأحداث الجارية تشكّل صفعة لميثاقها؛ من الهجمات الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، إلى الغزو الروسي لأوكرانيا، وصولاً إلى القصف الأميركي لمواقع نووية إيرانية، فيما يكتفي الأمين العام أنطونيو غوتيريش بالتنديد المتكرر بانتهاك القانون الدولي، دون أن يتمكن من اتخاذ خطوات فعالة على الأرض.
ويبدو مجلس الأمن، الجهاز التنفيذي الأهم في المنظمة، في حالة شلل تام. فالاستخدام المتزايد لحق النقض (الفيتو) منذ عام 2010 يعكس عجز المجلس عن التوصل إلى توافقات حقيقية بشأن القضايا الدولية الكبرى. ويقول المؤرخ بيير غروسيه إن مجلس الأمن "معطل إلى حد كبير"، مشيراً إلى أن الأمم المتحدة نفسها "فاشلة منذ إنشائها"، لكنها رغم ذلك ما زالت تمثل منبراً عالمياً لا غنى عنه.
ورغم ما يُطرح من أفكار لإصلاح المنظمة، إلا أن العقبات الجيوسياسية تعرقل أي تحول جذري. فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اقترح الحد من استخدام الفيتو، كما طُرحت فكرة توسيع تمثيل دول الجنوب العالمي في مجلس الأمن، إلا أن هذه المقترحات تصطدم برفض القوى الكبرى، وبخاصة الصين التي لا ترغب برؤية منافسين آسيويين دائمين مثل الهند أو اليابان.
ويرى المحللون أن سردية "دول الجنوب ستنقذ الأمم المتحدة" ليست إلا أملاً ساذجاً، لأن الانقسامات الإقليمية ستبرز بسرعة عند محاولة تمثيل بعضها دون البعض الآخر، خاصة في القارة الإفريقية.
ومع ذلك، لا يرى الجميع أن انهيار المنظمة حتمي. إذ يقترح السفير الفرنسي السابق ميشيل دوكلو إمكانية تشكيل محور جديد يضم الصين وأوروبا ودول الجنوب العالمي للدفاع عن التعددية ومواجهة الأجندة المشتركة بين واشنطن وموسكو في ظل قيادة ترامب وبوتين، اللذين يطمحان إلى إنشاء "مؤتمر الثلاثة" مع ، يختزل العالم في تفاهمات كبرى بعيدة عن روح الأمم المتحدة.
في النهاية، يبدو أن إنقاذ الأمم المتحدة لا يزال ممكناً نظرياً، لكنه يتطلب إرادة سياسية عالمية لا تزال مفقودة، وسط عالم يتجه أكثر فأكثر نحو صراعات النفوذ، وتراجع المبادئ التي قامت عليها المنظمة قبل ثمانية عقود.