أعلن الرئيس الأمريكي ترامب وقف إطلاق النار بين دولتي العدو الاحلالي وبلاد فارس بعد 12 يوما من الضربات العسكرية المتبادلة، وتلك أولى المفارقات أن يتحول "شريك الحرب" إلى "وسيط حكيم"، فأمر وتمت الطاعة، دون أي مساس بجوهر القرار الأمريكي، خاصة بعدما تم ترتيبات نهاية المشهد في قاعد العديد بتوافق ثلاثي، أمريكي قطري وفارسي، فكانت المسرحية الساذجة.
موضوعيا الحرب توقفت ولم تنته، ستستمر بأشكال جديدة نحو الانتهاء من ترتيبات تعيد صياغة المشهد الإقليمي، ما يتوافق ونتائج التطورات منذ أن تمكنت دولة العدو من استخدام مؤامرة 7 أكتوبر 2023، ما وضعها في مركز التحديث السياسي القادم، وتعزز دورها بعد ضربة 13 يونيو 2025 التي أصابت القلب الإيراني، في واحدة من المهام الأمنية غير المسبوقة.
توقف الحرب، أحدث تغييرات أولية لم تكتمل بعد في النظام الفارسي، داخليا سيكون مطالبا بإعادة بناء وتعمير وتصويب ما أصابته الضربات بخراب كبير، وتعويض علماء وقادة خسرتهم، ما سيفرض عليها طريقا مختلفا عن السابق، في ظل توقعات استخدام القوى المعارضة التي صمتت خلال الحرب لما يجب أن يكون، دون دعم تعويضي من الخارج كما دولة الاحتلال.
بلاد فارس خسرت أحد أهم عناصر قوتها "التهديدية"، فيما عرف سابقا بأدوات "محور المقاومة"، ولم يبق لها منها سوى آثار الحوثيين، الذين لن يغامروا لمنحها "نجدة" قد تلحق بهم بمن سبقهم من أدوات، خاصة وإن إيران لن تستطيع تقديم الدعم المالي والعسكري الذي كان قبل 13 يونيو، ما يؤدي إلى انحسارها، وخسارة جزء من "مفاعيل القوة".
بلاد فارس، دون الاهتمام كثيرا لخطابات "النصر"، منها أو من المصابين بعمق مخزون بالهزيمة، عندما يرون عدم سقوط النظام خلال 12 يوم "نصرا تاريخيا"، فيما النصر الحقيقي كيف لها أن تعيد ذاتها، في زمن قد يطول لو استمر الواقع دون هزة تطال قواعد المكون الديني الحاكم.
أن يتم استخدام القصف الصاروخي ضد دولة الكيان، وما تركه من خراب واضح، وكأنه تعديل في ميزان القوى وفرض معادلة شرق أوسطية جديدة لبس سوى سطحية انفعالية لا أكثر وتعبير عن "رغائبية" خاصة، فالنتائج لن ترتبط بتلك المشاهد العاطفية، بل بما تفرضه من نتائج سياسية عملية في المشهد القادم.
ترتيبات ما بعد الحرب التي بدأت ملامحها تتشكل، عبر تعاون علني بين دول عربية ودولة الكيان، فيما علاقة بلاد فارس لا تزال خالية من الوضوح رغم التفاهمات مع البعض منها، لكنها محكومة بأوهام فارسية ذات نزعة هيمنة، تستخدمها أمريكا والكيان لخدمة أهداف استراتيجية، وخلال الأشهر المقبلة، سيذهب ترامب مجددا لاستخدامها من أجل فرض وجود دولة العدو في المنطقة كجزء من ترتيبات الأمن الإقليمي، وإن لم تدرك القيادة الفارسية تلك المسألة الأساسية، ستدفع ثمنا مركبا بعد ذلك.
الاستمرار في التعامل مع نتائج حرب الـ 12 يوم كأنها "نصر" مؤشر خطير، بأن القيادة الفارسية لن تتعلم من ماضيها، خاصة سياستها نحو الدول العربية، وتحديدا في العراق والخليج، ما سيضعها في دائرة حصار مستحدث، سيشكل عامل تسريع في فتح جبهة المعارضة الداخلية.
لكن الأمر الأساسي الذي يتطلب إعادة تغيير جوهري من القيادة الفارسية بعد الحرب، تصحيح موقفها من فلسطين، وأن تعيد رؤيتها من باب الشرعية الوطنية، وليس فصائل بعضها كان سببا قيما أصاب بلادها من نكبة قد تطول في إصلاحها، وسيدركون لاحقا آثارها.
دون الذهاب لفتح مواقف بلاد فرس من منظمة التحرير ورئيسها الخالد ياسر عرفات، وحملة التخوين التي قادتها ضده مباشرة منها وعبر أدواتها الخاصة، وهو يخوض أصعب المعارك، عليها أن تبدأ مرحلة جديدة من علاقات وفقا للتطورات الجديدة.
تصويب موقف بلاد فارس من فلسطين، ينطلق من بيان رسمي من طهران للرسمية الفلسطينية بالتأكيد على الاعتراف بدولة فلسطين، واعتبار كل علاقات أخرى هي مع فصائل لن تمس الاعتراف، وتدعو وفد لزيارة طهران وترميم سفارتها، التي افتتحها الخالد المؤسس ياسر عرفات، بعد أيام من "ثورة" 1979، حيث كان أول الذاهبين إليها.
تصحيح الخطأ التاريخي لبلاد فارس من فلسطين، هو الاختبار الحقيقي لجوهر سياستها التحديثية نحو العمق العربي، دون ذلك نكون في نفق "المكر الفارسي".