منذ مطلع الشهر الحالي، شهدت الأسواق العالمية تحركات لافتة في سعر صرف الدولار مقابل الشيكل، وسط حالة من الضبابية الإقليمية المرتبطة بالحرب الإسرائيلية الإيرانية، وانعكاساتها الجيوسياسية والاقتصادية. غير أن ما بدا للوهلة الأولى نتيجة طبيعية للتوترات السياسية، أخذ منحى مختلفًا حين تبين أن الدولار، رغم احتفاظه بقوته النسبيّة عالميًا، يواصل تراجعه الحاد أمام الشيكل.
في فترة لا تتجاوز الأسبوعين، هبط سعر صرف الدولار من نحو 3.50 شيكل إلى حدود 3.4، بل ووصل في بعض اليوم الثلاثاء المواففق 24/06/2025 إلى 3.39 شيكل لكل دولار أمريكي، بانخفاض تجاوز 3.6% خلال أسبوع واحد فقط، وعلى مدى الأسبوعين، بلغ التراجع نحو 3%. في المقابل، فإن مؤشر الدولار العالمي DXY، الذي يقيس أداء الدولار مقابل سلة من العملات الرئيسية، انخفض بشكل طفيف من 98.98 إلى 97.80، أي بنسبة أقل من 1.2%. هذا الفارق في الانخفاض بين أداء الدولار عالميًا ومحليًا يكشف عن خلل غير ناتج عن ضعف الدولار بحد ذاته، بل عن قوة الشيكل أو تدخل مباشر في السوق.
هذا الانخفاض المتسارع في الدولار مقابل الشيكل، على الرغم من عدم تراجع الدولار أمام معظم العملات الأخرى، يعكس عدة عوامل مؤثرة داخل الاقتصاد الإسرائيلي؛ أولها التدخل النشط لبنك إسرائيل، الذي ضخ ما يزيد على 20 مليار دولار في السوق خلال شهري مايو ويونيو بهدف دعم الشيكل، وامتصاص أي صدمة ناتجة عن الحرب مع إيران أو عن توسيع رقعة الصراع. هذا التدخل المكثف ساهم في تعزيز استقرار العملة المحلية حتى في ذروة العمليات العسكرية، ما أدى إلى إعادة تشكيل حركة المضاربة والدفع باتجاه تقوية الشيكل.
العامل الثاني يتعلق بوقف الحرب الإسرائيلية الإيرانية اليوم 24 حزيران، والذي هدّأ نسبيًا مخاوف المستثمرين وأعاد بعض الثقة للأسواق الإقليمية. الإعلان عن انتهاء التصعيد أتاح لإسرائيل التقاط أنفاسها اقتصاديًا، وأسهم في إبقاء رؤوس الأموال داخل السوق، في ظل استقرار نسبي مؤقت، ساعد بدوره على دعم الشيكل في مواجهة الدولار.
على الصعيد العالمي، فإن الأداء الاقتصادي الأمريكي لا يزال قويًا، والتضخم تحت السيطرة النسبية، ما يبرر ثبات مؤشر الدولار DXY دون هبوط كبير، بمعنى آخر، لا يوجد ما يبرر ضعف الدولار من ناحية الأساسيات الاقتصادية، ما يؤكد مجددًا أن الانخفاض أمام الشيكل محلي النشأة. وهذا التباين يمنح الدولار قاعدة متينة تسمح له بالعودة للصعود، ما لم تستمر عمليات الضخ من قبل بنك إسرائيل.
لكن السؤال الأهم يبقى: إلى أين تتجه الأمور في المرحلة القادمة؟ السيناريو الأرجح، بحسب معظم المؤشرات، أن يستمر الدولار بالتراجع الطفيف أمام الشيكل في المدى القريب، ليكون في مستويات 3.40 وحتى 3.38 شيكل لكل دولار، خاصة إذا استمر الهدوء الأمني، واستمر تدخل بنك إسرائيل بضخ السيولة. غير أن هذا السيناريو ليس حتميًا، إذ يمكن لأي متغير سياسي أو جيوسياسي مفاجئ، أو توقف الدعم المركزي، أن يؤدي إلى ارتداد سريع في سعر الدولار نحو مستويات 3.48 أو حتى 3.50.
في النهاية، يبدو أن الدولار أمام الشيكل يمر الآن بمرحلة "هندسة سوقية" محكومة بقرارات البنوك المركزية أكثر من كونها انعكاسًا لتوازن العرض والطلب الطبيعي أو أداء الاقتصادين الأمريكي والإسرائيلي. ومع انتهاء الحرب، فإن اختبار المرحلة القادمة سيكمن في مدى قدرة بنك إسرائيل على الحفاظ على استقرار الشيكل دون استنزاف احتياطاته، وفي مدى مرونة الاقتصاد الإسرائيلي في احتواء آثار الحرب الطويلة على الثقة والنمو والاستثمار.