فوز ممداني... ماذا يعني؟
نبيل عمرو
فوز ممداني... ماذا يعني؟
الكوفية كما كان متوقعاً وفق استطلاعات الرأي، فقد فاز المرشح الديموقراطي زهران ممداني بمنصب عمدة نيويورك.
فوزه جاء بمثابة مؤشرٍ قويٍ على أن أمريكا تتغير، وأن هذه الدولة العظمى هي بلاد الفرص لمن يحسن استثمارها، ليس فقط على الصعيد الشخصي، وإنما على الصعيد السياسي فالطرق مفتوحة للأذكياء من ساكني أفقر حيّ في أي مدينة، إلى الكونجرس والبيت الأبيض وحتى المنصب الثاني في الأهمية عمدة نيويورك.
فوز ممداني أحرج الرئيس دونالد ترمب، وأظهره جاهلاً بما يجري في أمريكا، وخصوصاً في مدينة نيويورك، فقد بالغ في تقدير قدراته على إعاقة وصول ممداني إلى رئاسة البلدية، كما بالغ في "الردح" حين وصفه بالشيوعي، بما يشبه ما قاله عن تطبيق الشريعة الإسلامية في لندن، لمجرد أن عمدتها مسلم.
فوز ممداني كذلك برهن عن أن أمريكا الدولة العملاقة عسكرياً واقتصادياً وتكنولوجياً، وجدت من داخلها من يعترض بشدةٍ على ارتهان سياستها لنزوات اليمين الإسرائيلي وعنصريته، وجرّ أمريكا وراءه في حروبٍ مفتوحة، لا نهاية لها في الشرق الأوسط حيث المجمّع الأهم لمصالح أمريكا في العالم.
فوز ممداني هو أحد المؤشرات القوية وعميقة الدلالة على حتمية بلورة توازنٍ منطقي في السياسة الامريكية الخارجية، وليس ممداني وحده من يطالب بذلك، بل عدد كبيرٌ من أعضاء الكونجرس وحكّام الولايات وقطاع الجامعات والشباب، ونسبةً كبيرةً من قواعد الحزب الديموقراطي، ونسبةً لا بأس بها من شباب الحزب الجمهوري، وإذا ما نظرنا إلى المتغيرات العالمية في هذا الاتجاه، وانعكاساتها على أمريكا، فهي بحجمٍ وضع الدولة العظمى غير المتوازنة في عزلةٍ عن العالم وهذا ما حدث في المؤتمر الدولي الذي انعقد في نيويورك على هامش الدورة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة الذي قادته السعودية وفرنسا ومعهما كل دول العالم باستثناء أمريكا وإسرائيل.
في إسرائيل يطغى حزنٌ على فوز ممداني، والحزين الأكبر هو نتنياهو الذي سيكون صعباً عليه أن يصول ويجول في نيويورك وكأنه عمدتها والآمر الناهي فيها.
إسرائيل الرسمية وترمب يتحدان في قراءةٍ خاطئةٍ لظاهرة ممداني، ذلك بدل أن يقرآها جيدا وبميزان منطقي وموضوعي، فممداني ليس معادياً للسامية وفق الاتهامات المضادة لظاهرته، وليس شيوعياً وفق الاتهام الساذج الذي أطلقه ترمب، وكونه مسلم ويتحدث العربية، فإن معارضته لهذا السبب هي قمة العنصرية.
أجابت نيويورك بصورةٍ قاطعةٍ عن كل الاتهامات الشعبوية التي وجهت لممداني، فقد أنجتحه وصوّت له اليهود بنسبةٍ عالية، وصوّت له الشباب الذين كانوا نشطاء حملته القوية التي طرقت كل بابٍ في نيويورك العملاقة، وكل كنيسةٍ ومعبدٍ ومسجد، وصوّت له العمال، فهل كل هؤلاء لا ساميين!؟
فوز ممداني ينبغي أن يُقرأ جيداً على مستوى أمريكا وإسرائيل والعالم، على أنه المؤشر الأكثر عمقاً وقوة على حتمية أن تتجه أمريكا إلى توازنٍ جديد في سياساتها الداخلية والخارجية، وعلى السيد ترمب قبل غيره أن يفهم المغزى العميق لما حدث في نيويورك والذي لا يوجد ما يمنع من أن يحدث في أمريكا كلها.
أخيراً... أختم بجملةٍ لم يكن متخيلاً سماعها في نيويورك، المدينة التي كانت توصف قديماً بتل أبيب الثانية، جملة قيلت على لسان عمدتها الشاب ممداني، وبلغة عربيةٍ سليمة " أنا منكم وإليكم"، وكأنها دعوةٌ للعالم العربي كله بأن يستثمر بصورة أفضل وأفعل في الرأي العام الأمريكي نحو السلام الدائم والعادل الذي أساسه حقوق الشعب الفلسطيني، وأهمها بالطبع حقه في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة على أرضه التي احتلت في العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.