عبد الجواد صالح: المناضل الصلب

فيحاء عبد الهادي
عبد الجواد صالح: المناضل الصلب
وداعًا عبد الجواد صالح: المناضل القيادي الصلب والقامة الباسقة والإنسان النبيل.
كنتَ وستبقى أحد أعمدة الحركة الوطنية الفلسطينية، وكنتَ وستبقى صوتًا حرًا شجاعًا مستقلًا.
لن ينسى الشعب الفلسطيني عملك رئيسًا لبلدية البيرة (1967-1973)، وأنك كنت من أرسيت دعائم العمل التعاوني الذي قمت بتأسيسه خلال فترة رئاستك للبلدية، بين شباب المدينة.
ولن ينسى شعبك أنك كنت أحد مؤسّسي «لجنة التوجيه الوطني»، التي مارست دورًا قياديًا فاعلًا ضد الاحتلال الإسرائيلي الاستعماري، بعد هزيمة عام 1967، و»الجبهة الوطنية الفلسطينية»، التي تأسست عام 1973، وشكّلت امتدادًا رئيسيًا لمنظمة التحرير الفلسطينية، في فلسطين.
ولن ينسى أنه انتخبك عضوًا في المجلس التشريعي، عن دائرة رام الله والبيرة، عام 1996، على رأس قائمة وطنية، كان شعارها ملهمًا: «ليس لنا سوى هذا الوطن».
ولن ينسى أنك لم تمارس سوى قناعاتك ضمن أي موقع شغلته؛ شعبيًا كان أم نقابيًا أم رسميًا، لذا - وقد تعذّر العمل ضمن قناعاتك - قدّمتَ استقالتك من موقعك كأول وزير للزراعة، عام 1998، ومن عضوية المجلس المركزي في منظمة التحرير الفلسطينية، عام 2020.
*****
آمن «عبد الجواد صالح» بدور الكلمة النضالي، لذا لم يتوقف عن الكتابة عبر منصات متعددة، وأصدر عددًا من المؤلفات في المجال السياسي، والثقافي، والتربوي، والاجتماعي، في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، حيث ناقش عبرها سياسة إسرائيل في المأسسة، ورصد الأوامر العسكرية الإسرائيلية (أربعة أجزاء، 1986)، وسبل مواجهة الهجرة اليهودية (1990)، والاستيطان اليهودي: أبعاده وعواقبه (1992)، وناقش مهمات المرحلة القادمة: أساليب الدعم الجماهيري للانتفاضة (1990)، ووضع يده على المشكلات الذاتية لمؤسسات التعليم العالي في الضفة الغربية وغزة (1982)، وعلى أثر الاحتلال الإسرائيلي على المؤسسات الثقافية والتربوية في فلسطين المحتلة (1985)، وبيّن دور الاحتلال الإسرائيلي في نشر المخدرات في الأراضي الفلسطينية المحتلة (1990).
*****
ارتبط «عبد الجواد صالح» منذ طفولته بأرض فلسطين ارتباطًا وثيقًا، وكان ذلك بتأثير من والديه، ومدرسته، ومعلم مادة الزراعة في الصفوف الابتدائية تحديدًا.
أوصاه والده «صالح عطا حمايل» بأن يداوم على زيارة الأرض. لم يطلب منه العمل فيها؛ بل طلب منه مجرد زيارتها لأن الأرض تشتاق لأهلها، على حدّ تعبيره. وعلّمته والدته «عزيزة الحاج أمين» الارتباط بالأرض بشكل عملي، حيث كانت تعمل فيها لتأمين احتياجات العائلة الغذائية. وعلّمه أستاذه «رفعت الشهابي» كيف يزرع شجرًا، وخاصة أشجار الفاكهة، وعلّمه كيف يربي الدجاج، والنحل، وكيف يجمع العسل.
ولم يرتبط أبو صالح بالأرض فحسب؛ بل ارتبط بالأرض والإنسان، في مسيرة كفاحية متميزة على امتداد مراحل حياته.
*****
ترك المناضل «عبد الجواد صالح» بصمات عديدة، أثناء فترة رئاسته لبلدية البيرة؛ من أهمها، قيام المجلس البلدي بفرض شرط لمنح رخصة بناء، وهو وجود بئر ماء يجمع مياه الأمطار، وملجأ مسلح لحماية سكان العمارة، وتسليح الملجأ بالفولاذ، مع بناء بابين في اتجاهين مختلفين، حتى يتم ضمان خروج الناس بأمان. ولم يكتف رئيس البلدية بفرض الشرط ضمن البلدية؛ بل سعى، حين شغل موقع عضو لجنة تنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية (1974-1982) إلى محاولة تنفيذ الفكرة ذاتها، في المخيمات الفلسطينية في لبنان.
وحين فشل في تحقيق ذلك؛ طلب التدخل من صديقه «عبد المحسن القطان»، الذي نجح في إقناع القيادة الفلسطينية بأهمية شرط البناء.
آمن إيمانًا راسخًا بأهمية العمل التطوعي، وبناء مؤسسات وطنية، وجمعيات تعاونية، وعمل ليل نهار، وبالتعاون مع شخصيات وطنية، لنشر ثقافة العمل التطوعي، التي تمكّن المجتمع، وتوحّد طاقاته، وتجعله قادرًا على التصدي للاحتلال. ولم يكن ينظّر فحسب؛ بل كان يمارس عمليًا ما كان يدعو إليه، وليس أدلّ على ذلك من رده أثناء حديث صحافي، على سؤال حول ما يمكن أن يفعله فور عودته إلى فلسطين بعد إبعاده عشرين عامًا (1973-1993): «لقد اعتقلوني وأنا أقوم بتنظيف شوارع البيرة، عندما أعود سأعاود تنظيف هذه الشوارع».
*****
آمن إيمانًا عميقًا بالديمقراطية؛ جوهرها وآلياتها، وآمن بأن إرادة الشعب قادرة على فعل التغيير، إذا احتكم للعمل الديمقراطي والحوار الديمقراطي. ولذا دعا إلى ضرورة الضغط الشعبي من أجل إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وبلدية في أوقاتها التي حدّدها الدستور الفلسطيني، وهو القانون الأساسي. «أليست الانتخابات حقاً من حقوق الشعب المقدسة؟ أليست مخالفة القانون الأساسي، جريمة يعاقب عليها القانون؟».
*****
المناضل والنقابي والإنسان «عبد الجواد صالح»:
كنتَ دوما نصيرًا للأسيرات والأسرى، وليس أدلّ على ذلك من رسالتك القصيرة، بتاريخ: 10/02/2023، التي عبّرتَ فيها عن تمنياتك بأن يتم توثيق قصة كل أسيرة، وأن يتمّ إرسالها إلى المنظمات والجمعيات النسوية في العالم، للاحتجاج على أحكام الأسيرات المرتفعة، وطلب الحرية لهن: «كنتَ أول وربما الأوحد، الذي رتّب تحت الاحتلال وجبة إفطار للأسرى، وعندما تنافست العائلات الفلسطينية على من يقدّم الوجبة التالية؛ أوقف الحاكم العسكري الحملة، لكني انتصرت حين أعلنت الجماهير (بوضوح) دعمها للأسيرات والأسرى».
لم يغب يومًا عن ذاكرتك ما تعلّمته من والدتك؛ ليس حبّ الأرض فحسب؛ بل الدفاع عنها بكل الوسائل، كما جاء في رسالتك، بتاريخ: 22/02/2022
«لا أنسى ما علّمتني إياه أمكِ (عصام عبد الهادي) وأمي (عزيزة الحاج حسن)، عندما عملنا سويّة في الثورة التي تحوّلت إلى تنسيق أمني، وأمي التي أرضعتني سرّ الثوار، عندما صعدنا معًا إلى جبل الطويل، حاملة طنجرة المقلوبة؛ لتتركها لخالي في ثورة 36، رحمهم الله».
ولن يغيب عن ذاكرتي إيمانك بحتمية النصر مهما اسودّت الأيام ومهما ادلهمّت الخطوب، كما عبّرت في رسالتك، بتاريخ: 23/09/2023
«سيدتي، هذا عصر الهزائم، لكن من يملك بشرى لشعبه لا بد من انتصاره».