نشر بتاريخ: 2025/08/26 ( آخر تحديث: 2025/08/26 الساعة: 00:35 )

الصحافة الفلسطينية داخل دائرة الاستهداف

نشر بتاريخ: 2025/08/26 (آخر تحديث: 2025/08/26 الساعة: 00:35)

الكوفية منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أكتوبر 2023، عَمِدت قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى استهداف مئات الصحفيين الفلسطينيين إما بالقتل أو الاعتقال في محاولة منها لإسكات الصوت، ومنع بث صور المعاناة اليومية للفلسطينين الذين يذبحون على الهواء مباشرة، أمام عدسات الكاميرات، لقد جعلت اسرائيل من مهنة الصحافة مهنة محفوفة بالمخاطر، أن تكون صحفياً يعني أنك داخل دائرة الاستهداف "بالقتل أو الاعتقال أو الإعاقة".

لمنع نشر حقيقة ما تقوم به قوات الاحتلال من مجازر وحشية، قامت بفرض حصار اعلامي على القطاع، من أجل إلى تسويق روايتها، وعدم السماح بتدفق أي رواية أخرى للقضاء الخارجي، وفي سبيل تسويق روايتها الاحتلالية منعت الصحفيين والمراسلين الأجانب من دخول القطاع، فلم يكن المنع بدافع الحرص، أو لدواعي أمنية، بل كان من أجل طمس الحقيقة، بحجب الصوت والصورة، وضمان عدم نشر الفضائع من قتل ودمار لحق بالمدنيين الفلسطينيين وممتلكاتهم الخاصة والعامة، وبالرغم من المطالبات المستمرة من قبل منظمات دولية وصحفية بضرورة السماح للصحفيين والمراسلين الأجانب بدخول القطاع، إلا أن اسرائيل لا زالت ترفض هذه الطلبات متذرعة بالنواحي الأمنية، والحرص على حياتهم.

ورغم ذلك ورغم قلة الامكانيات "عدم توفر الكهرباء والانترنت" في كثير من الأوقات بسبب قيام قوات الاحتلال بقصف خطوط الانترنت بشكل متعمد، وعدم السماح لشركة الاتصالات بالعمل على إصلاحها، ومنع ادخال الوقود إلا أن الصحافة الفلسطينية ابدعت في نقل مشاهد القتل والدمار والتجويع، حيث تم نقل الصورة بأدق تفاصيلها، وفضح جرائم الاحتلال، الأمر الذي شكل صدمة كبيرة لكثير من شعوب العالم، وجعلها تغير موقفها، ودفعها للخروج في مظاهرات للمطالبة بوقف الحرب، والسماح بتدفق المساعدات الانسانية للقطاع.

لقد شكل ما تم نقله من جرائم بالصوت والصورة، من مشاهد استهداف الأطفال واحتراق أجسادهم صورة حقيقية عن معاناة الفلسطينيين، وعن قناعة الحرب والعدوان، وأظهر العالم بأن قوات الاحتلال تستهدف كل ما على أرض غزة من بشر وحجر وشجر، وأن اطفال والنساء والشيوخ كانوا الأكثر عرضةً للموت والإعاقة والتنكيل والجوع والمرض، هذا كله أفقد قادة الاحتلال صوابهم، وجعلهم يتخذون القرار باستهداف الصحفيين، بغض النظر عن مآلات الاستهداف، غير مكترثين بالقانون الدولي الانساني، وما يفرضه من ضرورة التزامهم بأعراف الحرب، مما دفعها لاغتيال الصحفيين العاملين في الميدان، رغم أنهم مشمولين بالحماية وفق اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين زمن الحرب.

عشرات عمليات الاغتيال الممنهجة أودت بحياة الصحفيين الفلسطينيين مع أسرهم، عائلات بأكملها مسحت من السجل المدني، وبحسب الاحصائيات فإن اسرائيل قتلت ما يزيد عن 200 صحفي فلسطيني غالبيتهم تم استهدافهم بشكل مباشر أما في منازلهم أو في أماكن عملهم، الأمر الذي دعا منظمات دولية مثل "هيومن رايتس ووتش ومراسلون بلا حدود" إلى فتح تحقيقات دولية مستقلة لمحاسبة المسئولين عن هذه الجرائم، حيث لا زالت اسرائيل تنفذ جرائمها ضد الصحفيين وكان آخرها جريمة استهداف الصحفيين على الهواء مباشرة في مستشفى ناصر بمدينة خانيونس والتي راح ضحيتها عدد من الصحفيين وعدد آخر من المواطنين، ومن المعلوم بأن اسرائيل تعتبر نفسها فوق القانون بما يتوفر لها من دعم وإسناد من قبل الإدارة الأمريكية التي تقوم بالتعمية على جرائمها.

في عدد من الاستهدافات السابقة لبعض الصحفيين كان يخرج علينا الناطق باسم جيش الاحتلال ببيان تبرير للجريمة، والادعاء بأن من تم استهدافه ناشط في صفوف المقاومة الفلسطينية، وأن الاستهداف في إطار القضاء على حماس والحد من قدراتها، لمنع تكرار سيناريو السابع من أكتوبر في المستقبل، هذه التبريرات غير منطقية ومكشوفة ولا يمكن الأخذ بها، لأن الاحتلال جاهز على الدوام بروايته المتحيزة والمخالفة للواقع.

جريمة اغتيال الصحفيين صباح اليوم الاثنين الموافق ٢٥/٨/٢٠٢٥ في مستشفى ناصر، هو سيناريو تكرر عندما قامت اسرائيل باستهداف الصحفي حسن اصليح وهو على سير المستشفى وكذلك اغتيال الصحفي انس الشريف وعدد من الصحفيين باستهداف خيمتهم أمام مستشفى الشفاء بمدينة غزة، وغيرها من عمليات الاغتيال التي طالت الصحفيين لإسكات الرواية الفلسطينية ومنع نقل الصورة للعالم الخارجي، لأن في وجود هؤلاء لا تستطيع اسرائيل فرض روايتها بالطريقة التي تحب بعيداً عن الرقابة في الميدان.

إن جرائم قتل الصحفيين تضع السلطة الفلسطينية بصفتها المسئول الأول عن الفلسطينيين، وبوصفها عضواً في المحكمة الجنائية الدولية أما مسئولياتها الوطنية، بضرورة رفع دعاوي أمام المحكمة الجنائية الدولية لمقاضاة قادة الاحتلال على ما اقترفوه من جرائم ضد شعبنا، وكذلك فإن المجتمع الدولي أمام امتحان قانوني وأخلاقي، يستوجب محاسبة الجناة، وإخضاعهم للعدالة الدولية، كما في حالات مشابهة من قبل، فلا يجوز أن تستمر اسرائيل في جرائمها وتنجو من العقاب، لأن في نجاتها استمرار لمسلسل القتل والدمار.