المرحلة الجديدة من الحرب: ماذا تريد إسرائيل؟

أشرف العجرمي
المرحلة الجديدة من الحرب: ماذا تريد إسرائيل؟
بعد أن اتفق الوزراء بالمجلس الوزاري المصغر في إسرائيل على المرحلة الجديدة من الحرب في غزة، والتي في إطارها سيتم احتلال ما تبقى من قطاع غزة، وهو ما نسبته حوالى 25% من إجمالي مساحة القطاع، بدأ الجيش في إعداد خطة مفصلة لتطبيق قرار الحكومة. ورغم الخلافات التي حصلت داخل اجتماع «الكابينيت»، سواء بين رئيس هيئة الأركان إيال زامير وبين رئيس الحكومة وعدد من الوزراء، أو بين الوزراء أنفسهم، أو بين بعضهم مع رئيس الحكومة، يبدو أن العملية حصلت على الضوء الأخضر الأميركي. وحسب التقارير الصحافية، منح الرئيس دونالد ترامب مباركته للخطة الإسرائيلية خلال محادثة مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مساء أول من أمس. وعملياً هناك فسحة من الوقت لتنفيذ الخطة.
الحكومة الإسرائيلية تريد ممارسة أقصى الضغوط على «حماس» لتقبل بالإفراج عن كل المحتجزين الإسرائيليين في غزة، وتقبل مبدأ تسليم السلطة ونزع سلاحها ومغادرة بعض قادتها قطاع غزة. وهذه شروط نتنياهو لوقف الحرب. ولكن يبدو أن الهدف هو أبعد من حمل «حماس» على الموافقة على مطالب إسرائيل. والحقيقة أن هناك عملية إسرائيلية لخلق واقع جديد في قطاع غزة بعد تدميره كلياً على غرار ما حصل في رفح ومنطقة بيت حانون وشمال القطاع. وهذه التدمير الشامل يراد منه أن يقلص إلى حد كبير عدد السكان في قطاع غزة، أي تهجيرهم في إطار ما تسميه الحكومة الإسرائيلية الهجرة الطوعية. وهذا الهدف الحقيقي والأبعد للحرب، لأن من يرد الإفراج عن الأسرى والمحتجزين في غزة يمكنه أن يحقق ذلك في إطار صفقة. وإسرائيل رفضت الصفقة بعد أن أبدت «حماس» مرونة في هذا الموضوع.
تهجير غالبية سكان قطاع غزة أو قسم كبير منهم، وبقاء مئات الآلاف أو حتى مليون مواطن، سيكون إنجازاً مهماً لليمين الإسرائيلي الذي يريد تهجير نسبة كبيرة من سكان الضفة الغربية. وإذا استطاعت إسرائيل تقليص عدد السكان الفلسطينيين في غزة والضفة إلى النصف، يمكن لإسرائيل أن تضم كل المناطق الفلسطينية وتحافظ على أغلبية يهودية فيها، بحيث تقطع الطريق على قيام دولة فلسطينية، وتحافظ على طبيعة إسرائيل كدولة لليهود، وباقي المواطنين يحصلون على حقوق مدنية جزئية دون أي حقوق سياسية. وهذا هو حلم اليمين الإسرائيلي المتطرف. وحسب مشروع الوزير من «الصهيونية الدينية» بتسلئيل سموتريتش، فإن على الفلسطينيين بعد الضم أن يختاروا بين القبول بحكم يهودي دون حقوق سياسية أو أن يرحلوا، ومن يختر مقاومة الاحتلال سيتم قتله.
مشروع اليمين الإسرائيلي سيصطدم على أرض الواقع برفض دولي كبير، وهو عملياً يناقض التوجه العالمي للاعتراف بحق تقرير المصير والدولة الفلسطينية، والعمل بشكل جدي ربما لأول مرة في التاريخ من أجل تطبيق حل الدولتين بصفته الخيار الوحيد الذي يضمن إنهاء الصراع وتوفير الأمن والاستقرار في هذه المنطقة وأجزاء كبيرة من الكرة الأرضية. كما أنه سيصطدم بصعوبات على الأرض، فليس سهلاً القضاء على «حماس». وكلما تورط الجيش الإسرائيلي في البقاء لفترات طويلة في غزة، ازدادت خسائره البشرية وازداد العبء الملقى على عاتق قوات الاحتلال، بما في ذلك على قوات الاحتياط، في ظل تزايد حدة الخلافات بين قطاعات كبيرة من الجمهور الإسرائيلي حول من يتحمل مسؤولية الدفاع عن مصالح الدولة، خاصة في ظل إحجام المتدينين الأصوليين عن الخدمة في صفوف الجيش، والنزاع حول قانون التجنيد الجديد. هذا عدا التكلفة الاقتصادية الكبيرة للثلاثة أشهر الأولى التي تقدر بأكثر من 40 مليار شيكل.
بصرف النظر عن صعوبة أو عدم صعوبة تنفيذ المرحلة الجديدة من الحرب على غزة، هناك رغبة من نتنياهو لإطالة أمد الحرب لأطول فترة ممكنة حتى تتم الانتخابات القادمة في العام 2026. ولكن يمكن إنهاء الحرب لو قامت «حماس» بالاستجابة للمطالب العربية والدولية بالتخلي عن حكم غزة، والقبول بتسليم السلاح للسلطة الفلسطينية أو لجهة عربية، والموافقة على صفقة شاملة للإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين مقابل أسرى فلسطينيين وانسحاب إسرائيلي شامل وحل المشكلة الإنسانية في غزة. وقبول «حماس» بذلك سيمنع إسرائيل من مواصلة الحرب؛ لأنه سيفعّل ضغوطاً دولية هائلة على إسرائيل، وفي هذا السياق يمكن أن يعتبر الرئيس الأميركي ذلك إنجازاً له. في كل الأحوال لن تكون هناك مطالب علنية إسرائيلية جديدة بعد تحقيق كل أهدافها المعلنة.
وأكثر من ذلك، ستمثّل موافقة «حماس» على المشروع الدولي، الذي عبّر عنه بيان مؤتمر حل الدولتين في الأمم المتحدة الشهر الماضي، وضع حد حاسم لموضوع تهجير سكان قطاع غزة، وستفتح الطريق أمام إعادة إعمار القطاع، والذهاب نحو تسوية سياسية على أساس إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الأراضي المحتلة عام 1967، وعندها يمكن للشعب الفلسطيني تجاوز آثار هذه الحرب المدمرة. فهل تستجيب «حماس» لصوت العقل والمنطق ولمصالح الشعب الفلسطيني الوطنية الجوهرية؟