زراعة الأمل في مواجهة قصف الأمل

فيحاء عبد الهادي
زراعة الأمل في مواجهة قصف الأمل
كيف يمكن أن نزرع الأمل على امتداد أرض فلسطين؟
كيف يمكن أن نزرع الأمل؛ في الوقت الذي فيه «يقصف الأمل في غزة»؟! (على حدّ تعبير الكاتب شجاع الصفدي في رسالته المسجلة من الكتّاب الغزيين إلى العالم)؟
لن تفعل الدموع، أو الشعارات، أو الخطابات ذلك، لن تفعل النوايا الحسنة، أو استجداء الحق والعدل ذلك.
وحده التغيير الفلسطيني جذرياً هو الذي يمكن أن يفعل، هو الذي يمكن أن يزرع الأمل، ويواجه قصف الأمل.
*****
كيف يمكن أن يتغيَّر أداؤنا الفلسطيني جذرياً؟ على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية؟ كي نستطيع أن نكون في مستوى التحديات التي يطرحها الاحتلال الاستعماري الإحلالي الإسرائيلي، الذي يواصل الإبادة الجماعية في غزة، والتطهير العرقي، والعدوان إثر العدوان، والقتل الجماعي اليومي، وخنق المنافذ جميعها التي يمكن أن يتنفس منها الإنسان الفلسطيني؟ براً وبحراً وجواً؛ تمهيداً للضمّ والتهجير وتصفية القضية الفلسطينية نهائياً؟
كل ما حولنا يدعو إلى اليأس، وهذا ما يريد أن يدفعنا إليه المحتلّ ومن يدعمه من القوى الإمبريالية، يوماً بعد يوم؛ حتى يحاربنا بسلاح أمضى من كل سلاح، على الصعيد المعنوي.
فهل نمكّنه من ذلك؟ ونكفّ عن استنهاض طاقاتنا، وعوامل صمودنا، ووسائل مقاومتنا، وتوحيد صفوفنا، ونسلِّم بالهزيمة أمام جبروته وسطوته؟
إن فعلنا نكون قد ساهمنا في قصف الأمل، وفي تصفية قضيتنا بأيدينا.
*****
ما يمكن أن يزرع الأمل هو أن نقف وقفة نقدية أمام أدائنا على المستويات كافة، الفردية والجماعية؛ لا لنجلد ذواتنا؛ بل لنضع أيدينا على مواطن الخلل، ونستشرف أفضل الطرق للمعالجة.
ما يمكن أن يحيي الأمل هو أن نجري حواراً مسؤولاً بين مكوّنات شعبنا الفلسطيني كافة، نساء ورجالاً، دون إقصاء أي طرف تحت أي مسمّى؛ لا لنبدأ الحوار من الصفر؛ بل لنبني على ما تمّ التوافق عليه بين القوى السياسية في القاهرة، في 9 شباط العام 2021، حول المضيّ قدماً في إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية وانتخابات المجلس الوطني، وما تم التوافق عليه في بكين، في 23 تموز العام 2024، حول تحقيق وحدة وطنية شاملة، في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، وتشكيل حكومة توافق وطني مؤقتة، والتأكيد على حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال وإنهائه، وفق القوانين الدولية، وميثاق الأمم المتحدة.
هذا الحوار الذي ينبغي ألاّ يقتصر على الفصائل السياسية الفلسطينية؛ بل يتوسّع ليشمل ممثلين/ات عن المجتمع المدني، والحراكات الشبابية، والنقابات المهنية، والفعاليات المجتمعية، ويناقش التحديات السياسية الراهنة، ويجري تعديلات تنسجم مع هذه التحديات.
ما يمكن أن يجدّد الأمل هو ألاّ نكتفي بالمظاهرات السياسية العارمة، التي تناصر القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، عبر العالم، كقضية تحرّر وطني، وتطالب بوقف المجازر، ووقف إطلاق النار، ووقف الإبادة الجماعية في غزة، ووقف نهج القتل والتجويع، ووقف إمداد المحتلّ الإسرائيلي بالأسلحة؛ بل نبني على هذا المدّ الدولي الداعم للحق الفلسطيني؛ نجذِّر الوعي بالرواية الفلسطينية التاريخية، ونؤسِّس تكتلات إقليمية وعالمية تعمل على قضايا مشتركة، على أصعدة عديدة؛ سياسية وإعلامية وثقافية واقتصادية واجتماعية وقانونية، مدركين أن العدو واحد، والنضال واحد، ونضالنا مع شعوب العالم ما هو إلّا نضال مشترك ضد النيوليبرالية المتوحشة، وسياساتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المدمّرة، وهو نضال مشترك ضد العسكرة، والفكر العسكري، وضد الاحتلال، والاستعمار بوجوهه المتعددة، وضد العنصرية، والتمييز، واللامساواة، والإفلات من العقاب.
ولن نستطيع تحقيق ذلك سوى حين نضع مصلحة شعبنا الفلسطيني فوق كل مصلحة فردية أو فئوية، وأن نحترم الحق في الاختلاف والتعددية، ضمن نهج ديمقراطي جوهره الشراكة.
ولن نستطيع أن نحقق أياً من أهدافنا المباشرة أو الاستراتيجية، دون أن نؤمن بأننا قادرون على فعل ذلك؛ قادرون على تحقيق الانتصار؛ لإيماننا الراسخ بحقوقنا غير القابلة للتصرف، وبعدالة قضيتنا.
*****
ليس المطلوب أن نعمي أعيننا عن الواقع القاسي الذي نعيش، أو عن التحديات التي تتضاعف وتتراكم يوماً إثر يوم، وليس المطلوب أن نصوّر الدنيا وردية بينما تكون على أرض الواقع سوداء سوداء.
المطلوب أن نرى الأبيض بجانب الأسود، مهما طغى اللون الأسود على حياتنا، وصبغها بصبغته.
صحيح أن الليل أسود لكن النهار أبيض أيضاً، ولن يكمل الأسود سوى الأبيض.
نردّد معك شجاع الصفدي، ومع كتاب/كاتبات/شعب غزة:
كفى موتاً
تليق بكم الحياة
تليق بكم الحياة.