نشر بتاريخ: 2025/08/05 ( آخر تحديث: 2025/08/05 الساعة: 19:23 )
فراس ياغي

"غزة" تقبل الرهان

نشر بتاريخ: 2025/08/05 (آخر تحديث: 2025/08/05 الساعة: 19:23)

الكوفية أشير بان القرار في مسألة الحسم في الملفات أخذ بتوافق تام مع إدارة الرئيس "ترامب"، وحسم الملفات يعني القضاء الكلي على المقاومة الفلسطينية واللبنانية، إما بإرادتهم من خلال نزع سلاحهم ولاحقا سيتم اعتقال قيادتهم وتحت مسميات متعددة وفرض التغيير وفق إرادتهم "ضم وتهجير ونفوذ"، أو بالقوة العسكرية

بما يختص بقطاع غزة...المعادلة واضحة جدا...لا خيارات امام "نتنياهو" في ظل هذا الصمود الاسطوري للمقاومة والشعب، سوى الذهاب للخطوة التي حاول "نتنياهو" تجنبها منذ البداية، وهي خطوة احتلال قطاع "غزة"، لأن من يبحث عن النصر المطلق، فهذا لا يكون بالصفقات الندية، بل بصفقات الهزيمة، او العمل على الهزيمة الكلية من خلال العمل العسكري، الآن هو امام لحظة القرار، لأن إدارة "ترامب" تريد منه حسم ملف غزة بالانتصار التام، وزيارة المبعوث الامريكي "ويتكوف" الأخيرة كانت في صدد وضع الخطط النهائية والتوافق عليها، وهذا ما اشار له الرئيس "ترامب" عندما قال: "يتعين على نتنياهو تغيير طريقته"، وهنا واضح في قصده، وهو ان شرعية الحرب مرتبطة بدخول المساعدات، ولكن نفهم أيضا بأن الوقت قد حان لاتخاذ قرارات جذرية وحاسمة

التسريبات الاعلامية التي تتحدث بوضوح، ان القرار اتخذ بإحتلال قطاع "غزة" "القناة 12،13"، ليست بالونات اختبار ولا ضغط تفاوضي كما يحاول البعض الإشارة إليه، لأن معنى الإحتلال هو الحسم، أي القيام بإخضاع الطرف الآخر بإرادته او بالقوة العسكرية

"نتنياهو" عادة يقوم عبر مكتبه بتسريب قراراته قبل ان تصبح واقع حتى يفهم ردات الفعل الداخلية والدولية، وطببعة ردات الفعل هذه هي التي تؤسس لتنفيذها او وقفها بحجة انها كانت مجرد مشاورات، لأن قرار إحتلال غزة يحتاج إلى قرار "كيبنت"، وكما يبدو لديه هناك اغلبية "سموتريتش وبن غفير وكاتس وديرمر ونتنياهو، وقد يعترض آرييه درعي ويتحفظ هنغبي"، لذلك طبيعة القرار سوف تتحدد لحظة إعلان موعد لعقد جلسة "للكبينت" الإسرائيلي

إذا لماذا يعطي "نتنياهو" عدة ايام إلى اسبوع؟!! "اعتقد مطلع الاسبوع القادم سيتخذ القرار"، لأنه يريد تحقيق هدفه عبر ضغط الوسطاء على حركة "حماس" لكي تقبل ان تستسلم وترفع الراية البيضاء، وهنا تصبح "غزة" كاملة نحت الإحتلال بدون إستخدام الجيش، لذلك من المهم للوسطاء ان يقرأوا مقال "بن كسبيت" في جريدة "معاريف" بتاريخ 4/8/2025 بعنوان " لن يكون السابع من اكتوبر مجرد ذكرى خالدة على جبين نتنياهو فحسب، بل هذا هو المستوى الجديد من الانحدار"، وذلك حتى يفهموا ان: "لا يوجد جيش في العالم هزم حرب عصابات، قائمة على شعب متعاطف مع مرور الوقت، إسألوا الروس في أفغانستان، والامريكيين في العراق وأفغانستان، والفرنسيين والأمريكيين في فيتنام، والبريطانيين في كل مكان"،

"حماس" تفهم جيدا عقلية "نتنياهو" وتعلم انها في الحالتين رأس "غزة" و "الضفة" مطلوب قبل رأسها، اي ان الخطة بالاساس هي تصفية القضية الفلسطينية عبر "الضم والتهجير الكلي او الجزئي"، لذلك كان عضو المكتب السياسي للحركة "حسام بدران" واضح في رده، حيث قال: "تهديدات إسرائيل مكررة وليس لها قيمة ولا تؤثر على قراراتنا"، وهذا يعني بوضوح ان الخيارات المتبقية ليست سوى ملحمة بطولية قادمة سوف تستغرق وقتا طويلا، اي ان حرب الإستنزاف المستمرة منذ 22 شهرا سوف تتصاعد وتاخذ ابعاد جديدة

هناك دائما معطيات تؤثر على إتخاذ اي قرار، وما يتوفر من معطيات إن كانت داخلية او إقليمية او دولية، تقريبا جميعها تصب في خدمة ما سيقدم عليه 'نتنياهو"، ولكي نكون اكثر دقة نستعرض تلك المعطيات:

المعطى الداخلي في إسرائيل:

هناك بالتأكيد نقاش حاد بين المستوى السياسي والمستوى العسكري، وصل بكل تفاصيله إلى وساءل الإعلام، لكن "نتنياهو" يعلم أن رئيس هيئة الاركان "إيال زامير" ليس كما سبقوه، فهو كما كتب عنه "تامير موراج في صفحته العبرية: "لن يستقيل رئيس الأركان إيال زامير، في النهاية، زامير جنديٌّ يفهم التسلسل الهرمي في علاقته بالقيادة السياسية - أو هكذا يُؤمل - على عكس العديد من كبار مسؤولي الجيش الإسرائيلي في العقود الأخيرة، ومن حقه أن يكون له رأيٌ مختلف، لكن في لحظة الحقيقة سيُحيي ويُنفّذ، كما هو متوقع منه ومن كل ضابط."، اما المعارضة فمنذ سنتان ونصف وهي تصرخ ولا تتخذ قرارات موحدة قادرة على مواجهة "نتنياهو"، معارضة لا برنامج مشترك لديها وما يجمعها ليس سوى كُرهها لِ "نتنياهو"

في خضم ذلك يقوم "نتنياهو"، صاحب الإيقاع الوحيد في "إسرائيل" بعقد جلسة للحكومة بدون حضوره "القانون يمنع حضور نتنياهو في اي جلسة تناقش إقالة المستشارة القانونية للحكومة بسبب تضارب المصالح"، وتتخذ الحكومة بالإجماع قرار بإقالة المستشارة القضائية "ميراف بيهاراف" من الحكومة "المحكمة العليا جمدت القرار لاحقا"، وهي تُعتبر الحارس الأخير على العدالة في هذه الحكومة الفاشية، وهذا وحده يُشير إلى أن هناك مايسترو ولاعب واحد ووحيد، هو "التطرف" الذي يقوده "نتنياهو" و "سموتريتش" و "بن غفير"، وأقصد بذلك ان لدى "نتنياهو" خطط خاصة به لا غٓير، لأن "النصر المطلق" هو الإنجاز الذي يريد فيه أن يُغطي عوراته، ويضمن من خلاله إستمرار الحرب حتى يجد السبيل لفك حبل المشنقة عن رقبته، "مشنقة تهم الفساد والرشوة وخيانة الأمانة، ومشنقة السابع من أكتوبر وتداعياتها".

إطالة امد الحرب لا زالت تخدم أجندة "نتنياهو"، خاصة ان فزعة الرئيس "ترامب" له والتي طالبت بإعفاءه من التهم الموجهة له لم تجد لها آذان صاغية إلا بشروط. "نتنياهو" لا يقبلها

التسريبات من مكتب "نتنياهو" بان "القرار اتخذ بإحتلال قطاع غزة"، هي خطة جدية مع انعدام الخطط الأخرى، وهي اصبحت واقع خاصة بعد زيارة المبعوث الامريكي "ويتكوف" الأخيرة والذي طرح خطة لنهاية الحرب تستند للإستسلام "نزع سلاح المقاومة"، والضم والتهجير "إدارة أمنية للقطاع بقيادة امريكا"

إذا المعطى الداخلي في "إسرائيل" لا زال يخدم اجندة المتطرفين، وبدائله تنتظر حدوث معجزة الانتخابات، وخوفا من حدوث ما لا يُحمد عقباه بعد إنتهاء عطلة الكنيست "الفشل في الإتفاق على تشريع قانون لإعفاء الحريديم"، "نتنياهو" يريد أخذ قرارات حاسمة قبل ذلك، وحسم ملف قطاع "غزة" وفقا لما يرى انه يخدم توجهاته في "النصر المطلق" والذي سيبقي على تسونامي الإعترافات بالدولة الفلسطينية حبرا على ورق

المعطى الدولي:

لا اريد هنا التفصيل، وبإختصار شديد، كل خطط "نتنياهو" تُنسق بشكل تفصيلي مع إدارة الرئيس "ترامب" وتحظى بضوء اخضر، المهم بالنسبة إلى الرئيس "ترامب" مسألتين، الاولى إستمرار دخول المساعدات لإعطاء صبغة الشرعية لإستمرار الحرب، والثانية تحقيق النصر التام لدولة "إسرائيل" حتى يستطيع فرض مشروع سلامه بالقوة، وبمسمى "توسيع الاتفاقيات الإبراهيمية"، وبحيث تُصبح "غزة" رهينة يتم مقابضتها مقابل مفهوم الدولتين، على ان يشمل ذلك تهجير جزء من سكانها وقضم جزء من جغرافيتها وإشراف امني إسرائيلي كامل عليها

اما "اوروبا" المنافقة، فبدل ان تتخذ عقوبات وفقا للقانون الدولي لما تقوم فيه "إسرائيل" من إبادة وتطهير عرقي وتجويع في قطاع "غزة"، تقدم لِ "إسرائيل" كما يقول الكاتب والصحفي الإسرائيلي الإنساني "جدعون ليفي" تقدم "جائزة بالإعلان عن نيتها الإعتراف بالدولة الفلسطينية في ايلول/سيبتمبر، مقابل إعفاءها من إتخاذ إجراءات عقابية"، نعم "ليفي" يقول حقيقة "اوروبا"، لأن من يريد الاعتراف بالدولة الفلسطينية عليه اولا ان يتخذ خطوات فعلية لوقف حرب الإبادة في "غزة"، لا ان يهرب منها بمسمى الاعتراف

المعطى الإقليمي:

معطى يريد تغطية قصوره إما بالضغط على "حماس" والمقاومة "في غزة او لبنان" وتحميلهم مسؤولية ما تقوم فيه "امريكا" و "إسرائيل"، او هو جزء من المخطط ككل، له دوره ويلعبه بإتقان، من خلال خلق الإنقسام في بيئة المقاومة عبر إيجاد بديل مستعد للتعاطي مع تلك المخططات، وشروط الإعتراف بالدولة الفلسطيني في مؤتمر "نيويورك" وتحت يافطة التوافق على شكل مبدأ الإعتراف وبغض النظر عن جوهره، يؤكد حقيقة هذا المُعطى

واضح ان كل المعطيات تخدم ما يعمل عليه "نتنياهو" لأن خطة إحتلال "غزة" اصلا كانت مرسومة منذ البداية إما إحتلال مباشر أو إحتلال غير مباشر، و "نتتياهو" كان ينتظر اللحظة المناسبة، رغم انه حاول ان يجعل إحتلاله غير المباشر هو الخطة بفرض مفهوم الإستسلام "وهم النصر المطلق الذي إعتراه ولا زال يعتريه"، لكنه فشل في ذلك وانهزم إستراتيجيا، وتداعيات ذلك اصبحت واضحة، ولكي يحاصر الهزيمة، ظهر ما يسمى احتلال قطاع "غزة" بشكل مباشر، بما يوحي بأن الرجل تأخر كثيرا لكي لا يصل إلى ذلك مرغما، رغم أن مفهوم "النصر المطلق" تعني السيطرة التامة المباشرة او غير المباشرة

سابقا قلنا "نتنياهو" يريد محو "وصمات عاره" عبر خلق "بصمات انتصار خاصة فيه"، وهو في خطاباته دائما يتحدث عن النصر في "سوريا وإيران ولبنان ـالبيجر واللا سلكي وإغنيال القادة العظام- لكن عند "غزة" ورغم كل ما أحدثه فيها من كارثة وما بعد الكارثة لا يجد كلمات سوى انه مستمر في حربه حتى تحقيق اهدافه الثلاث ـ الافراج عن الاسرى- القضاء على حماس- منع قطاع غزة لان يشكل تهديد على إسرائيل مرة اخرى- اي انه يجد نفسه مهزوما، لا يجرؤ على إتخاذ قرار خوفا من حلفاءه المتطرفين ونهاية حكومته، او خوفا من لجان تحقيق اذا ما توقفت الحرب"

من فكر يوما في تحقيق النصر على "غزة" تورط في وحلها، واليوم يضاف إلى ذلك، التورط في "أنفاقها"، ويبدو ان "غزة" هي فلم "الرعب" الذي يسكن "نتنياهو"، تُخيفه وتُرعبه لدرجة انه وفق مقربين منه قلق لا يعرف ان ينام، لكن "غزة" ايضا تُشكل هواجس لدى "إيال زمير" وجيشه، يقول "إيال زمير": "نستطيع إحتلال قطاع غزة في اشهر، لكن لتطهيرها من الأنفاق نحتاج الى سنوات"، وهنا يُشير بلغة واضحة إلى "نتنياهو" اذا اتخذت قرار بإحتلال "غزة" فنحن ذاهبون إلى حرب إستنزاف طويلة، انت ستتحمل مسؤوليتها، اي يريد ان يتنصل من النتائج الوخيمة القادمة لا محالة

"تكلم حتى أراك" كما قال الفيلسوف اليوناني سقراط، ويقصد بذلك ان ما يقوله الشخص بُعبر عن تكوينه وعما يُفكر فيه، ومنذ بدايات ايلول/ اكتوبر، و"نتنياهو" لم يدع مجال للشك في انه ذاهب حتى النهاية ومهما كانت عاقبتها، اي ان الرجل راهن على كل ما يملك في سلة "غزة"، ويبدو أن "غزة" قبلت الرهان، لكن ينسى "نتنياهو" ان "غزة" لم تخسر يوما، وطول نفسها رباني لا نهاية له، وفي "غزة" هناك "شهيد يسعفه شهيد ويصوره شهيد ويودعه شهيد ويصلي عليه شهيد"، هكذا هي "غزة" المرحوم "درويش" بلحمها ودمها وشهيدها تنتصر