نشر بتاريخ: 2025/08/02 ( آخر تحديث: 2025/08/02 الساعة: 16:03 )

تسونامي غزة

نشر بتاريخ: 2025/08/02 (آخر تحديث: 2025/08/02 الساعة: 16:03)

الكوفية تسونامي غزة هو تعبير مجازي عن حجم الكارثة الإنسانية التي أحدثتها حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، والتي تسببت بمقتل واصابة وتشريد ونزوح أكثر من مليون ونصف المليون انسان، في جريمة كبرى يندى لها جبين الانسانية، هذه الكارثة التي عصفت بالقطاع، وحولته إلى كومة من الحجارة، بفعل القصف المتواصل على القطاع منذ السابع من أكتوبر، حيث قامت قوات الاحتلال تدمير أكثر من ٧٠٪ من مساحة القطاع حيث وبحسب الاحصائيات بلغ عدد المنازل التي تم تدميرها ما يقارب ١٨٠ الف منزل، مع تدمير للبنى التحتية والمدارس والمقار الحكومية والمرافق العامة والمصانع والورش الخاصة.

إسرائيل استخدمت في عدوانها على غزة آلاف الأطنان من المتفجرات، في واحدة من أكثر الحملات العسكرية تدميراً في العصر الحديث، وبحسب تقارير الأمم المتحدة ومؤسسة هيومن رايتي ووتش فإن حجم القوة التدميرية للقنابل التي تم القائها على قطاع غزة تعادل أكثر بمرتين ونصف القوة التدميرية للقنابل التي تلقتها الولايات المتحدة الأمريكية على هيروشيما وناغازاكي.

بحسب هيومن رايتس ووتش والأمم المتحدة، فإن القوة التدميرية تعادل أكثر من مرتين ونصف القوة التفجيرية لقنبلتي هيروشيما وناغازاكي معًا.

هذه البقعة الجغرافية الصغيرة المسماة "غزة" والتي تُعد من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، تتعرض لعدوان همجي مستمر لأكثر من ٦٦٤ يوم بهدف مسحها عن الخارطة، حيث عمدت قوات الاحتلال لاستهداف الأحياء السكنية المكتبة بالسكان، لإجبارهم على النزوح، تمهيداً لتدمير المباني وتسويتها بالأرض، في خطوة تهدف لإجبارهم على الرحيل خارج القطاع.

المشاهد لمدن بيت حانون وبيت لاهيا وشرق مدينة غزة ومدينة خانيونس ومدينة رفح مع أجزاء واسعة من شرق المحافظة الوسطى يلاحظ للوهلة الأولى بأن زلزال ضرب هذه المناطق وجعل عليها واطيها.

استخدام القوة المفرطة والأسلحة المحرمة دولياً تعتبر جريمة حرب بموجب اتفاقيات جنيف، وبحسب مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة فإن الأسلحة المستخدمة في الحرب على غزة تجاوزت أي تعريف الردع العسكري، وأصبحت شكلاً من أشكال العقاب الجماعي.

تحت حجة القضاء على حركة حماس، وتدمير بنيتها العسكرية والحكومية، يمارس جيش الاحتلال الاسرائيلي حرب إبادة ضد شعب أعزل، لا يمتلك القدرة على الدفاع عن نفسه، في وجه قنابل فتاكة يقوم بإطلاقها من طائراته ودباباته على أجساد المدنيين، الذين لا يجدون اماكن محصنة، تقيهم لهيب القذائف، لتحولهم إلى أشلاء متفحمة.

وبموازاة القصف والدمار، تقوم قوات الاحتلال باستخدام سلاح التجويع ضد المدنيين، من أجل إجبارهم على ترك أرضهم والرحيل نحو المجهول.

لو أن زلزالاً طبيعياً مهما بلغت قوته على "مقياس ريختر" ضرب القطاع لما الحق به دماراً كما الحقته الحرب على غزة، حيث تُظهر صور الأقمار الصناعية بأن محافظة رفح مسحت عن الوجود، ولم تكن محافظتي الشمال وخانيونس بأحسن حال منها، ويبدو أن محافظتي غزة والوسطى ستلقيان نفس المصير، اذا لم تتوقف الحرب، ويتم لجم العدوان.

في الكوارث الطبيعية يلجأ السكان إلى مناطق آمنة حفظاً للنسل والأرواح، ويتسارع العالم إلى إغاثة المناطق المنكوبة، بتوفير كل ما يلزم، من "معدات، وأغطية، وخيام، وعلاجات، ومياه، وطعام .. الخ" من كل مستلزمات العيش، ولكن في حرب العدوان لم يجد المدنيين من يساندهم ويقف إلى جوارهم، باستثناء بعض الدول التي أجبرت لتقديم المساعدات، بالرغم من قيام جيش الاحتلال بتدفقها للقطاع، ولم يجد النازحون مناطق آمنة يلجأون إليها، بل طاردتهم القذائف في ترحالهم في المساجد والمدارس والمستشفيات، رغم أن هذه الأعيان مشمولة بالحماية وفق نصوص القانون الدولي الانساني.

في هذه الحرب تقاعست الغالبية العظمى من دول العالم، واصطف بعضها إلى جانب دولة الاحتلال، ومارست الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من مرة حق النقض "الفينو" في مجلس الأمن، وتعطلت مشاريع القرارات الداعية لوقف الحرب.

هذا العالم المتمردين المتحضر تقاعس عن نصرة المدنيين في غزة، وكأنه بتقاعسه قد منح دولة الاحتلال ضوء أخضر لذبح الفلسطينيين، ولم يقم بتوفير ما يلزم لتدبر أمور حياتهم المعيشية، كما في حالات مشابهة، سواء في الحروب، أو الكوارث الطبيعية "الزلازل والفيضانات" حتى عندما قرروا التدخل لوقف المجاعة، فلم يستطيعوا إجبار دولة الاحتلال على ادخال المساعدات الإنسانية للقطاع، الأمر الذي أدى لتفاقم المجاعة، ودخولها في كل بيت "غزاوي" فلا طعام متوفر، ولا ماء صالح للشرب، مع انعدام المأوى، والنقص الحاد في الخدمات الصحية.

وبالرغم من انتشار وسائل الإعلام، مع آلاف الصور والفيديوهات التي يتم نشرها عن مجريات الحرب والمجاعة، إلا أن هناك مشاهد دامية لم تصل لها عدسات الكاميرات، ولم يتم توثيقها بالشكل المطلوب، المئات قضوا تحت ركام منازلهم، بعد أن استحال إنقاذ ارواحهم، نتيجة لعدم توفر الروافع الضخمة والحفارات، وندرة الإمكانيات.

فلو قدر لهذه الحرب أن تنتهي فإن ارتدادات الحرب ستستمر لعقود قادمة، هناك جروح غائرة من الصعب علاجها، أكثر من مائة ألف شهيد قضوا في هذه الحرب، بعضهم لا زال تحت الأنقاض لم يتم انتشاله، وهناك آلاف المصابين باعاقات، غير الذين أصيبوا بجروح متفاوتة في مدى خطورتها، غير الفوضى المجتمعية، وانتشار بعض السلوكيات الغريبة عن أخلاقيات شعبنا.

تقديري لو أن نيزك كبير سقط على سواحل غزة، وتسبب في تسونامي لما خلف هذا الدمار الهائل، وطال كل ما على هذا الكوكب الغزي الذي لا يرى بالعين المجردة على الخارطة الكونية.

تسونامي غزة لم ينتهي بعد، مسلسل القصف والدمار لا زال مستمر، رغم كل الجولات الويتكوفية، ودموع التماسيح الترامبية.

يبدو أنه غزة ابتلعها البحر ولن تعون المدينة المشرقة بناسها وأخلاقها وحكاويها الجميلة.