نشر بتاريخ: 2025/07/30 ( آخر تحديث: 2025/07/30 الساعة: 12:00 )
أشرف العجرمي

السعودية وفرنسا: تغيير قواعد اللعبة السياسية

نشر بتاريخ: 2025/07/30 (آخر تحديث: 2025/07/30 الساعة: 12:00)

مؤتمر حل الدولتين الذي عقد على مدى اليومين الماضيين بقيادة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود ووزير خارجية فرنسا جان نويل بارو ومشاركة رئيس الحكومة الفلسطينية محمد مصطفى، يشكل خطوة كبيرة مهمة لإنقاذ وتثبيت حل الدولتين باعتباره الحل الوحيد القادر على إنهاء الاحتلال والصراع وتحقيق السلام العادل والشامل. وأهمية هذا المؤتمر تكمن في بحث الكثير من التفاصيل المتعلقة بتغيير الواقع في الساحة الفلسطينية بدءاً من وقف الحرب في غزة وانتهاء بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. وقد سبق المؤتمر تشكيل ثماني لجان بدأت عملها في شهر حزيران الماضي وهي تعنى ببلورة خطط سياسية واقتصادية وأمنية لبناء أطر الدولة الفلسطينية. وقد شاركت في هذه اللجان مجموعة كبيرة من الدول تضم كلا من مصر والأردن وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا واليابان وإسبانيا والنرويج وتركيا والبرازيل وقطر والمكسيك والسنغال وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي.

الغضب الإسرائيلي من المؤتمر مفهوم لأنه يناقض سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية التي تتميز بأنها حكومة عنصرية يمينية فاشية ترفض فكرة حل الدولتين وتعمل على إفشالها وتطبيق مشروع ضم أكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينية وفرض السيادة الإسرائيلية عليها، وهذا المؤتمر هو على النقيض من هذا المشروع ويشكل صفعة قوية له بما يمثله من تظاهرة دولية ذات مغزى وتقوم بخطوات عملية في سبيل تكريس قيام الدولة الفلسطينية وهو ما ترفضه إسرائيل. لكن الغضب الأميركي غير مفهوم مطلقاً. فالولايات المتحدة لا ترفض حل الدولتين رسمياً وحتى لو أنها لا تريد الاعتراف بدولة فلسطين لا ينبغي أن تأخذ موقفاً عدائياً من الجهد الدولي الذي يساهم في تحقيق السلام. فقد رفضت الولايات المتحدة مؤتمر حل الدولتين ووصفت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية المؤتمر بأنه «مسرحية دعائية» وأن الولايات المتحدة لن تشارك في هذا المؤتمر الذي تعتبره إهانة. وأن واشنطن ستستمر في قيادة الجهود الحقيقية لإنهاء القتال وتحقيق سلام دائم. وأن المؤتمر يطيل أمد الحرب ويشجع حركة حماس ويقوض الجهود لتحقيق السلام.

هذا الموقف الأميركي غريب – عجيب، يمكن أن يفهم منه أن أي فعل سياسي لا تقوده الولايات المتحدة يجب إفشاله. وهي فعلاً تؤيد أن تقوم إسرائيل بضم أجزاء من الضفة الغربية وترحيل سكان قطاع غزة وتقليص مساحته. وحتى عندما تتحدث عن الدولة الفلسطينية يختلف مفهومها للدولة عن باقي دول العالم. والصيغة المفضلة لترامب صفقة القرن مع تعديلات جوهرية تستثني قطاع غزة الذي تريد تحويله إلى ريفييرا بدون سكان. وفي الواقع، الموقفان السعودي والفرنسي يحرجان واشنطن ويضعانها في وضع مناقض للإجماع العالمي الذي يعتبر حل الدولتين على حدود العام 1967 هو الوصفة الواقعية الوحيدة للسلام في الشرق الأوسط.

إصرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على الاعتراف بدولة فلسطين في اجتماع الأمم المتحدة في شهر أيلول القادم وسعي فرنسا لجلب دول أوروبية أخرى لهذه الخطوة يشكلان تحدياً للموقف الإسرائيلي الرافض للسلام والذي يصر على مواصلة حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني. وتتناغم مع هذا الموقف وتدعمه بقوة المملكة العربية السعودية التي تلعب دوراً محورياً في الحلبة الدولية لجهة تطبيق حل الدولتين. وهذا الثنائي القوي يقود تغييراً في قواعد اللعبة السياسية فما عاد بإمكان العالم أن يصبر حتى تكون هناك حكومة في إسرائيل تذهب نحو حل الدولتين. فالوقت أصبح ضاغطاً جداً ولم يعد هناك متسع أمام الإبقاء على حل الدولتين حياً في ظل استمرار سياسة الضم والاستيطان التي تمارسها حكومة أقصى اليمين بقيادة بنيامين نتنياهو. وهذا ينسجم مع تغيرات كبرى تجري في العالم ضد السياسة الإسرائيلية التي جعلت إسرائيل في عزلة دولية كبيرة. ومثال على ذلك موقف «الترويكا» الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) الذي طالب بوقف الحرب ورفض السياسة الإسرائيلية الراهنة وموقف هولندا حليف إسرائيل الدائم باعتبار إسرائيل دولة تمثل تهديداً للأمن وقررت منع الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش من دخول أراضيها. وموقف بريطانيا من الاعتراف بدولة فلسطين بأنه مسألة توقيت ليس إلا.

الوقت يسير عكس ما ترغب به إسرائيل تماماً ولكن الفعل الفلسطيني يمكنه أن يسرع أو يبطئ التحول الكبير في المواقف الدولية. فكلما كان هناك موقف فلسطيني موحد تجاه إنهاء الحرب واليوم التالي في قطاع غزة انسجاماً مع المواقف العربية والدولية بتخلي «حماس» عن السلطة وعن سلاحها لصالح شرعية فلسطينية واحدة مدعومة عربياً ودولياً، وكلما قامت السلطة الوطنية بإصلاحات جدية عميقة وليست شكلية ساهم ذلك في تشجيع دول العالم باتخاذ خطوات أكثر جدية تجاه إنقاذ حل الدولتين بما في ذلك توسيع نطاق الاعتراف بالدولة الفلسطينية وفرض حصار وعقوبات على إسرائيل وحشرها في الزاوية باعتبارها تشكل خطراً على الأمن والاستقرار الدوليين، فهل نذهب مع العالم أم نغمض أعيننا ونتحايل عن متطلبات تكريس الحل الواقعي المقبول؟

وأقل ما يقال في رد فعل الرئيس دونالد ترامب أنه يفتقر لأدنى أشكال اللباقة والاحترام، عندما رد على تصريح الرئيس إيمانويل ماكرون بالقول، إن «كل ما يقوله لا يهم».