نتنياهو يريد الصفقة... ويخشاها

هاني المصري
نتنياهو يريد الصفقة... ويخشاها
في تناقض لافت مع التصريحات الإيجابية الصادرة عن الوسطاء وحتى بعض التصريحات الإسرائيلية، ومع تغريدة بشارة بحبح التي أشار فيها إلى أجواء مشجعة عقب رد حماس الأخير، فاجأ المبعوث الأمريكي ستيفن ويتكوف الجميع بإعلان انسحاب الوفد الأمريكي من مفاوضات التهدئة، محمّلًا حماس مسؤولية فشل المحادثات، ومُلوّحًا باللجوء إلى "خيارات أخرى" لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين.
السؤال الجوهري هنا هو: ما الذي استجد فجأة حتى تنقلب الولايات المتحدة بهذا الشكل؟ خصوصًا أن ويتكوف نفسه كان على وشك التوجه إلى المنطقة، بعد تأخير طويل، في ظل تقديرات بأن احتمالات التوصل إلى اتفاق باتت أكبر من أي وقت مضى. قد يكون هذا الموقف جزءًا من تكتيك تفاوضي يهدف في اللحظات الأخيرة قبل الإتفاق إلى دفع حماس لتقديم مزيد من التنازلات، كما قد يكون نابعًا من الخشية من إنجاز الصفقة بالشروط المطروحة حاليًا. يبقى الاحتمالان واردين.
لكن ما يستحق التوقف عنده، هو أن هذا التحول الأمريكي المفاجئ جاء بعد لقاء ويتكوف مع رون دريمر، المسؤول عن الوفد الإسرائيلي والمقرّب جدًا من نتنياهو.
دريمر سبق أن لعب دورًا محوريًا مماثلًا، حين نجح في التأثير على الموقف الأمريكي سابقًا، ما يرجّح أن نتنياهو نفسه يقف خلف هذا التبدّل. لماذا يريد نتنياهو الصفقة؟ نتنياهو، رغم كل التصعيد، يريد التوصل إلى الصفقة، لعدة أسباب:
أولًا، لتلبية احتياجات إدارة ترامب، التي باتت تبحث عن تهدئة الحرب والتفرغ لملفات دولية أخرى، في ظل تداعيات الحرب المفتوحة وغير المتوقعة والتي يمكن أن تقود آلى سيناريوهات غير مرغوبة.
ثانيًا، بسبب تزايد الضغط الداخلي في إسرائيل، بما في ذلك من الجيش الذي أنهكته الحرب ويطالب بصفقة لاستعادة الأسرى ويرى أنها استنفدت أغراضها، خاصة في ظل ارتفاع أعداد القتلى من الجنود والضباط خلال الشهرين الأخيرين.
ثالثًا، لأن نتنياهو يدرك أن الانتخابات تقترب، والصفقة قد تُحسّن من فرصه الانتخابية، سواء أُجريت في نهاية العام الحالي أو مطلع العام القادم.
وأخيرًا، لأن الغضب العالمي المتزايد، والانحدار الأخلاقي والسياسي لإسرائيل نتيجة مشاهد المجازر اليومية، بات يشكّل عبئًا كبيرًا على صورته وصورة إسرائيل أمام العالم. ...ولماذا يخشاها؟ رغم ما سبق، فإن نتنياهو يخشى الصفقة أيضًا، لأنها قد تؤدي إلى وقف الحرب دون تحقيق أهدافها المعلنة، سواء أهداف الحد الأدنى منها (تحرير الأسرى واسقاط حماس من الحكم ونزع سلاحها وترحيل قيادتها) أو الحد الأقصى ( بقاء القطاع تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة والمضي في تطبيق خطة التهجير وإعادة الاستيطان). وفي حال توقفت الحرب دون تحقيق هذه الأهداف، فإن بقاء حماس في غزة سيكون بمثابة هزيمة سياسية وعسكرية لحكومته.
والأسوأ أن ذلك قد يفتح الباب لتحقيقات داخلية، وخاصة في الاخفاق التاريخي في السابع من أكتوبر. وفي قلب هذا المأزق، تقف الحكومة الإسرائيلية الحالية المتطرفة، التي تطرفها يجعلها في مأزق رغم كل عناصر القوة التي تملكها ونقطة ضعفها القاتلة في أنها لا تريد، لا بقاء حماس، ولا عودة السلطة الفلسطينية، ولا وصاية عربية أو دولية على غزة، وفي الوقت نفسه لا تريد احتلال القطاع و فرض حكم عسكري مباشر.
بل تريد نموذجًا شبيهًا بالضفة الغربية أو جنوب لبنان: سيطرة أمنية كاملة واحتلال فعلي مع ضربات جوية واغتيالات واقتحامات دون وجود دائم. أهداف خفية للتصعيد؟ من غير المستبعد أن يكون تصعيد الموقف الأمريكي وةلاسرائيلي جزءًا من محاولة فرض مزيد من الضغط والحصار والتجويع والتعطيش، لفرض الاستسلام على حماس، أو تحقيق نصر واضح حاسم أو تصور التمكن من تنفيذ عمليات خاصة تهدف إلى تحرير الأسرى دون اتفاق.
فتش عن أسباب أخرى كما يمكن أن يكون تأزيم المفاوضات متعمّدًا بهدف التأثير على المواقف الدولية، وتحديدًا لثني دول مثل فرنسا وكندا وغيرهما عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية نظرا لأن هذا يضع حقائق معاكسة سياسية وقانونية لما يريده حكام واشنطن وتل أبيب من دفن لإمكانية قيام دولة فلسطينية خصوصا ان هناك تحركا عالميا متزايدا تقوده السعوديةوفرنسا يهدف إلى اقامة الدولة الفلسطينية.
وهذا ما يُفهم من ردة الفعل الأمريكية الغاضبة جدا على إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عزمه الاعتراف بالدولة الفلسطينية في أيلول/سبتمبر القادم. وبالتالي، لا يمكن استبعاد أن يكون جزء من التصعيد الحالي مرتبطًا بهذه الحسابات الاستراتيجية.