نشر بتاريخ: 2025/07/16 ( آخر تحديث: 2025/07/16 الساعة: 10:23 )
أشرف العجرمي

السياسة الإسرائيلية: مخاطر الانفجار في المنطقة

نشر بتاريخ: 2025/07/16 (آخر تحديث: 2025/07/16 الساعة: 10:23)

يتفق الكثير من المحللين الإسرائيليين على أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، يستمر في الحرب على غزة لأسباب شخصية، وأن الحرب استنفدت أهدافها، وأن إطالة أمد الحرب هي فقط لخدمة أهدافه في البقاء السياسي والتخلص من المحاكمة التي تنتظره في قضايا الفساد، وأن الوقت يخدمه في السعي لترميم صورته واستعادة التأييد الشعبي للصمود في الحكم لأطول فترة ممكنة. وهذا التحليل الواقعي يستند بالأساس لموقف الجهات الأمنية الإسرائيلية، وعلى رأسها جيش الاحتلال الذي اختلف رئيس هيئة أركانه إيال زامير مع الحكومة حول سياستها فيما يتعلق بإدارة الحرب وملف المساعدات الإنسانية. وإلى الخسائر التي تلحق بالجيش الإسرائيلي مع استمرار القتال، من هنا يبدو الرأي العام الإسرائيلي أكثر قناعة اليوم بالبحث عن حلول دائمة سواء لملف المحتجزين الإسرائيليين في غزة أو وقف الحرب، أو حتى موضوع اليوم التالي للحرب.

يمكن القول: إن هجوم السابع من أكتوبر أنقذ نتنياهو من السقوط، فقد حصل في وقت كان فيه الشارع الإسرائيلي منقسماً بصورة كبيرة وعميقة بين أغلبية تؤيد استمرار النظام السياسي الإسرائيلي على ما هو عليه دون تغيير جوهره، وأقلية متنفذة حاكمة لديها أغلبية في البرلمان تريد الانقلاب على النظام وتغيير أسسه.

وكانت إسرائيل قاب قوسين أو أدنى من الذهاب لانتخابات جديدة قد تطيح بنتنياهو أو الذهاب للفوضى والتمرد بما في ذلك العصيان المدني. وقد قدم هجوم «حماس» خدمة كبيرة لنتنياهو في كسب الوقت من جهة على الرغم من أن هزيمة جيش الاحتلال في غلاف غزة كانت ضربة كبيرة للحكومة الإسرائيلية، ومن جهة أخرى في تدمير محور إيران الذي اصطلح على تسميته «محور المقاومة». فالفصائل الفلسطينية تلقت ضربة ساحقة في قطاع غزة وكذلك حال «حزب الله» في لبنان. والنظام السوري سقط. وأخيراً إيران نفسها تعرضت لضربة كبيرة دمرت فيها دفاعاتها الجوية وقواعد الصواريخ وقتل عدد من قادة الجيش والحرس الثوري، والأهم تم توجيه ضربة للمفاعلات النووية الإيرانية التي على الرغم من التضارب حول حجمها ستساهم في تعطيل أو تأخير هذا المشروع.

هذا الإنجاز الكبير الذي حققته إسرائيل بفضل السابع من أكتوبر، ناهيكم عن الكارثة الكبرى وحرب الإبادة التي تعرض لها قطاع غزة، إذا لم يستغل لإحداث تغيير إيجابي يحقق الأمن والاستقرار في المنطقة سيقود إلى اشتعالها وانفجارها من جديد. فالحرب المستمرة على غزة لما يقارب السنتين قد تحول الشعب الفلسطيني بأسره إلى ثورة عارمة في وجه الاحتلال. صحيح أن الثمن الكبير الذي دفعه أبناء قطاع غزة قد جعل جزءاً كبيراً منهم يلومون «حماس» ويحملونها المسؤولية عن معاناتهم، ولكن استمرار القتل والإبادة والتجويع ينقل الفلسطينيين إلى التفكير في كيفية التخلص من الاحتلال والانتقام منه. فلم يعد للناس ما يخسرونه.

استمرار الحرب دون حل منطقي للحكم في قطاع غزة حيث إن البديل الواقعي لحكم «حماس» هو عودة السلطة، وفي هذا السياق تمثل الخطة العربية مدخلاً مهماً لهذا الحل، ودون التفكير في أفق سياسي جذري لإنهاء الصراع وتحقيق السلام بتطبيق حل الدولتين، ستعود المنطقة إلى المربع الأول ولكن بصورة أكثر عنفاً وقسوة. فإذا لم تعد السلطة الوطنية لغزة ستبقى «حماس» أو الاحتلال الكامل للقطاع، والخيار الأخير مكلف جداً لإسرائيل ولا تستطيع تحمل تبعاته سواء المادية أو البشرية مع تصاعد المقاومة وتوسع المشاركة فيها.

كما أن عدم التوصل إلى تسوية مع إيران حول برنامجها النووي سيقود في النهاية إلى تسريع محاولات إيران للحصول على سلاح نووي، ويمكن لبعض الدول أن تساعد إيران في ذلك؛ نكاية في الولايات المتحدة ولإحداث تغيير في موازين القوى الدولية. حتى محاولات الضغط على النظام السوري الجديد المصنوع غربياً سيؤدي إلى سقوطه، فلا يستطيع الرئيس أحمد الشرع الذهاب إلى سلام كامل مع إسرائيل وتبقى إسرائيل محتلة لكامل الجولان وجزء من الأراضي السورية الأخرى. فإن صمتَ السوريون لفترة من الزمن، فمن دون شك هذا الموضوع سيظهر من جديد على السطح ويؤثر على الاستقرار في المنطقة.

سياسة الهروب إلى الأمام التي يمارسها نتنياهو وحكومة اليمين العنصري المتطرفة في إسرائيل، عدا أنها لم تعد مقنعة لغالبية الجمهور في إسرائيل، التي تؤيد أغلبية قدرها 70% منه حلاً أمنياً إقليمياً يشمل تطبيق حل الدولتين حسب استطلاع أجري مؤخراً بوساطة مؤسسة «دركينو» ومعهد «مدغام»، هي تقود لاشتعال المنطقة. وما تشهده الضفة الغربية الآن هو وصفة مؤكدة لدفع الضفة للانفجار.

ويبدو أن صراع البقاء لنتنياهو وبعض حلفائه أهم حتى من مستقبل وجود إسرائيل في المنطقة، فهل يسمح العالم لإسرائيل بتهديد الأمن والسلام الدوليَّين، وهل يسمح الإسرائيليون له بتعريض حياتهم ومستقبلهم لخطر وجودي كبير ومؤكد بتفويت فرصة التوصل إلى حل سياسي؟