نشر بتاريخ: 2025/06/26 ( آخر تحديث: 2025/06/26 الساعة: 18:36 )

الفائدة والدولار والانتخابات: كيف يحاول ترمب إعادة تشكيل الاقتصاد؟

نشر بتاريخ: 2025/06/26 (آخر تحديث: 2025/06/26 الساعة: 18:36)

الكوفية في الأشهر الأخيرة، دخل الاقتصاد الأمريكي مرحلة مفصلية جديدة مع عودة دونالد ترمب إلى سدة الحكم في يناير 2025، وسط تصاعد خلافاته مع رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي (جيروم باول). ترمب، الذي لطالما عبّر عن تفضيله لدولار ضعيف، عاد من جديد لانتقاد الفيدرالي بسبب ما اعتبره تمسكًا غير مبرر بسياسات الفائدة المرتفعة، معرقلًا بذلك خططه لتحفيز الاقتصاد.

يرى الرئيس ترامب أن في خفض الفائدة أداة انتخابية قوية قبل كل شيء؛ فالفائدة المنخفضة تعني قروضًا أرخص، وأسواقًا أكثر نشاطًا، وشعورًا عامًا بانتعاش اقتصادي يمكن تسويقه انتخابيًا. وبينما تبلغ الفائدة الأمريكية حاليًا نحو 4.25% بعد أن خُفّضت تدريجيًا منذ مارس الماضي، يواصل ترمب الضغط لخفضها أكثر نحو مستويات 3% أو أدنى، متذرعًا بانخفاض معدل التضخم إلى 2.4%، واستقرار أسعار الطاقة، وتباطؤ سوق العمل، بما يبرر – برأيه – التحول نحو سياسة نقدية أكثر مرونة.

لكن التحدي الأبرز أمام ترمب هو استقلالية الفيدرالي الأمريكي. فالقانون لا يتيح للرئيس عزل رئيس البنك المركزي إلا في حالات ضيقة. ومع ذلك، بدأ فريق ترمب يُلمّح إلى إمكانية الدفع نحو تغيير القيادة مستقبلاً إذا استمر ما يعتبرونه "تمردًا" على التوجهات الاقتصادية للبيت الأبيض. هذا التوتر يفتح الباب على سيناريوهات اقتصادية حاسمة، خصوصًا إذا ما رافق ذلك تغييرات تشريعية بعد الانتخابات النصفية القادمة.

في موازاة ذلك، يشهد الدولار الأمريكي موجة ضعف متسارعة منذ بداية يونيو. فقد تراجع مؤشر الدولار (DXY) إلى 97.1 مقارنة بمستوى 107.2 في ديسمبر 2024، أي بانخفاض يتجاوز 9.5% خلال ستة شهور فقط. هذا التراجع لا يُعزى فقط إلى خفض الفائدة، بل إلى توقعات السوق المتزايدة بأن إدارة ترمب ستواصل هذا النهج، إضافة إلى تصاعد عجز الموازنة، وإجراءات حماية تجارية تُضعف الثقة العالمية بالعملة الأمريكية على المدى القصير.

وبينما لم يشهد مؤشر DXY انخفاضًا بهذا الحجم منذ سنوات، فإن هبوط الدولار لم يكن شاملًا لكل العملات. على سبيل المثال، فقد الدولار حوالي من 5% من قيمته أمام الشيكل الإسرائيلي خلال الفترة نفسها، متراجعًا من 3.58 إلى 3.40 شيكل للدولار، في هبوط كان اقل من تراجع مؤشر DXY. يُعزى ذلك جزئيًا إلى تدخلات فنية من البنك المركزي الإسرائيلي الذي ضخ سيولة بالعملة المحلية لدعم الشيكل، رغم استمرار الحرب في غزة والتوترات الإقليمية.

في هذا السياق، يسعى ترمب إلى توظيف هذا الضعف في الدولار لصالحه من خلال تعزيز القدرة التنافسية للصادرات الأمريكية. فالدولار الضعيف يجعل المنتجات الأمريكية أرخص نسبيًا في الأسواق العالمية، ما يُحسّن ميزان التجارة ويخلق فرص عمل، وهي ورقة انتخابية حيوية يمكن تسويقها بسهولة في الداخل الأمريكي. هذا ما يربط بين رغبته في الدولار الضعيف، وسياساته الجمركية التي فرضها سابقًا على واردات صينية وأوروبية، ويبدو أنه سيواصل اتباعها.

لكن هذا التوجه محفوف بالمخاطر أيضاً. إذ أن استمرار ضعف الدولار قد يُثير القلق لدى المستثمرين الأجانب، ويُسهم في تآكل الثقة العالمية بالاقتصاد الأمريكي إذا لم يُقابل ذلك بإجراءات ضامنة للاستقرار المالي. كما أن خفض الفائدة بشكل مفرط قد يُعيد التضخم للارتفاع، ويؤدي إلى فقاعة في أسواق الأصول.

سيناريوهات المرحلة المقبلة تتراوح بين نجاح ترمب في الضغط على الفيدرالي، وخفض الفائدة تدريجيًا نحو 3% بحلول نهاية العام، وهو ما قد يدفع مؤشر الدولار إلى الهبوط لما دون 95، وسعر صرف الدولار مقابل الشيكل إلى ما دون مستويات 3.30 إذا ما استمرت التدخلات الإسرائيلية. أما إذا تمسّك الفيدرالي بموقفه ورفض الرضوخ لضغوط البيت الأبيض، فقد نشهد حالة من التوتر المؤسسي قد تؤثر سلبًا على الأسواق، وتدفع المستثمرين إلى الترقب، مع احتمالية بقاء الدولار في حالة ضعف نسبي مدفوعة بالتوقعات أكثر من الواقع.

ترمب لا يخوض معركة ضد الفيدرالي فقط من منطلق اقتصادي، بل من بوابة الانتخابات أيضًا. فالرئيس الذي لطالما روّج لنفسه كرجل الأعمال الذي يعرف مفاتيح السوق، يراهن اليوم على سياسة نقدية توسعية ودولار أضعف لتعزيز صورته الاقتصادية. لكن نجاح هذه الخطة يتوقف على أكثر من مجرد خفض الفائدة؛ فهو يبقى رهناً للتوازن بين الأسواق، والتضخم، وثقة الناخب الأمريكي.