إغلاق مضيق هرمز: كابوس الاقتصاد العالمي واحتمالات اشتعال الجغرافيا السياسية

إغلاق مضيق هرمز: كابوس الاقتصاد العالمي واحتمالات اشتعال الجغرافيا السياسية
الكوفية يمثّل مضيق هرمز أحد أكثر النقاط الاستراتيجية حساسية في العالم، ليس فقط من الناحية الجيوسياسية، بل أيضًا باعتباره شريانًا حيويًا للطاقة العالمية. يمرّ عبره يوميًا نحو 21 مليون برميل من النفط الخام، أي ما يعادل 20% من الاستهلاك العالمي، فضلًا عن كميات ضخمة من الغاز الطبيعي المسال تمثل نحو ثلث تجارة الغاز المسال في العالم. وبذلك، فإن أي تعطيل لحركة الملاحة في هذا المضيق لا يهدد فقط أسواق الطاقة، بل ينذر بانفجار أوسع يمتد من الأسواق المالية إلى خرائط النفوذ السياسي.
تصاعد التوتر الإقليمي مؤخرًا أعاد إلى الواجهة السيناريو الصعب المتعلّق بإمكانية إقدام إيران على إغلاق المضيق، سواء بشكل كلي أو جزئي، كرد فعل محتمل على التصعيد العسكري الأمريكي أو الإسرائيلي. هذا الاحتمال، رغم أنه ليس جديدًا، فإن خطورته الآن تكمن في اقترابه من حافة التحقق. في حال حدث ذلك، فإن أولى التداعيات ستكون صدمة فورية في أسواق الطاقة، حيث إن منع تدفق 18 إلى 22 مليون برميل يوميًا من النفط، وهو ما يعادل خمس الإمدادات العالمية، قد يرفع الأسعار بنسبة تتراوح بين 30 إلى 50%، بل وقد تتجاوز الأسعار حاجز 150 دولارًا للبرميل في غضون أيام قليلة. وستتجاوز الأضرار قطاع النفط، إذ تمر عبر المضيق أيضًا صادرات ضخمة من الغاز الطبيعي المسال من قطر إلى أسواق آسيا، وبخاصة اليابان وكوريا الجنوبية والهند، مما يهدد استقرار شبكات الطاقة والصناعات البتروكيميائية في هذه الدول.
الخسائر الناجمة عن إغلاق المضيق لن تكون رمزية أو نظرية، إذ تشير التقديرات إلى أن حجم التجارة السنوية التي تمر عبره تتجاوز 1.2 تريليون دولار، أي أن كل يوم إغلاق يعادل خسائر تزيد عن مليار دولار. ورغم امتلاك بعض دول الخليج خطوط أنابيب بديلة، مثل خط أنابيب أبو ظبي أو شرق-غرب في السعودية، فإنها لا تستوعب سوى 4 إلى 6 ملايين برميل يوميًا، ما يعني استمرار وجود فجوة ضخمة يصعب تجاوزها بسهولة.
لكن الخطر لا يقف عند حدود الاقتصاد، فالإغلاق يعني تصعيدًا عسكريًا شبه حتمي. الولايات المتحدة، صاحبة الوجود البحري الأكبر في الخليج، لن تقف مكتوفة الأيدي أمام تهديد طريق إمداد الطاقة العالمي. في المقابل، ستحاول قوى أخرى مثل الصين والهند واليابان – المستوردين الأساسيين للنفط عبر المضيق – التحرك سياسيًا وربما أمنيًا لحماية مصالحها. وهذا من شأنه أن يسرّع إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية، ويؤدي إلى تفاقم التوترات في نقاط تماس جديدة، مما يجعل من إغلاق المضيق اختبارًا قاسيًا للنظام الدولي.
في ظل كل هذه المخاطر، يظل السؤال: هل تقدم إيران فعليًا على هذه الخطوة؟ من الناحية الاستراتيجية، يبدو أن إيران تدرك أن إغلاق المضيق بشكل كامل يعادل انتحارًا اقتصاديًا، فهو سيدفع العالم إلى رد عسكري، ويؤدي إلى عزل طهران عن أسواقها الحيوية. لكنه في المقابل، يمثل ورقة ضغط قصوى تستخدمها طهران في سياسة "حافة الهاوية"، حيث التلويح بالإغلاق، وافتعال حوادث محدودة، يعزز قدرتها التفاوضية دون أن يؤدي إلى مواجهة مفتوحة.
ولأن طهران تدرك أن كل يوم إضافي من الضغط على إسرائيل يُضعف الموقف الاسرائيلي داخلياً ودولياً، فإنها قد تختار توسيع نطاق ضرباتها نحو إسرائيل بدلًا من الولايات المتحدة، عبر استهدافات أكثر دقة وأقل عددًا، كصواريخ بالستية محددة الأهداف. ذلك لأن الجمهور الإسرائيلي، كما أظهرت تجارب سابقة، لا يتحمّل فترات طويلة من توقف الحياة، مما يجعل الضغط المستمر أداة فعالة لتحسين شروط التفاوض في أي تسوية مستقبلية. ومع تحقيق إسرائيل عددًا من أهدافها العسكرية في إيران، سواء عبر استهداف منشآت نووية أو اغتيال شخصيات محورية، تدرك إيران أن لديها مساحة أكبر للمناورة، وأنها لا تملك الكثير لتخسره إذا ما استمرت المعارك الاستنزافية ضمن نطاق محسوب.
في نهاية المطاف، إغلاق مضيق هرمز ليس مجرد أزمة طاقة، بل معضلة استراتيجية تتقاطع فيها المصالح الاقتصادية مع الحسابات العسكرية، وتُختبر فيها قدرة العالم على الحفاظ على استقرار لا يُدرك قيمته إلا حين يُفقد. إيران قد لا تُغلق المضيق بالكامل، لكنها ستظل تستخدمه كسيفٍ معلّق، تُشهره حين تحتاج، وتغمده حين ترى الفرصة سانحة.